وأحببنا كاتيا وأصبحت تشعر كأنها واحدة منا، ولكننا كنا نسمع في بعض الليالي نحيبها المكبوت، وهذه الشكوى القديمة الشبيهة بالنديب: «أين أنت يا أماه؟ أين أنت يا أبتاه؟»
الفصل الثامن
الرعب في القرية
كثيرا ما يغمض الناس أعينهم وعقولهم؛ ليخفوا عن أنفسهم ما يحيط بهم من الحقائق المرة المؤلمة؛ لينجوا بذلك من الآلام العقلية التي تضرم القلب وتقبض الرجاء، وهم يتلمسون لعملهم هذا معاذير يختلقونها لساعتهم، ويتخلصون من المعلومات التي تجابههم، قائلين: إنها مبالغات وهوس، ثم يحدث حادث فجائي يضطرهم إلى أن يفتحوا عقولهم وعيونهم، فيتطلعوا إلى ما حولهم دون أن تطرف عيونهم.
وهذا ما حدث لي في الأسابيع التي أعقبت مجيء كاتيا الصغيرة إلى بيتنا، لقد كنت قبل مجيئها أحرص على ألا يتزعزع إيماني بالمبادئ الشيوعية مهما أحاط بي من الحقائق المزعزعة لإيماني هذا، وتحاشيت الذهاب إلى المزارع الجماعية القريبة مني، ثم حدثت مأساة طفلة واحدة بريئة فصدمتني صدمة عنيفة، وأرغمتني على أن أواجه مآسي الزراع الروس على بكرة أبيهم؛ ولهذا اعتزمت أن أنتهز أول فرصة أستطيع فيها التغلغل في أقاليم المزارع الجماعية.
وأتيحت لي هذه الفرصة أسرع مما كنت أتوقع، فقد تلقيت من مكتب الحزب في معهدنا أمرا بالذهاب إلى اللجنة الإقليمية، وكان الغرض الذي ذهبت من أجله هو تنظيم فرق من أعضاء الحزب للعمل في القرى.
واجتمع في قاعة المؤتمر نحو ثمانين منا، كثرتهم الغالبة من الشبان، ومن بينهم عدد قليل عرفتهم في أثناء النشاط الحزبي في السنين القليلة الأخيرة، وكنا جميعا متوتري الأعصاب، ولم يكن في وسع بعضنا أن يخفوا ما يساورهم من القلق واضطراب النفس، وصدرت إلينا الأوامر بأن نذهب إلى الريف لنساعد في جمع الحبوب، ونعجل عمليات الحصاد الختامية، ولكننا كنا جميعا نشعر كأننا مقدمون على حرب عوان، وكان مسلكنا مسلك من قد تملكهم هذا الإحساس.
وخطبنا الرفيق هياتيفتش أحد أعضاء لجنة الحزب المركزية، وكان كل ما لخطبته من أثر فينا أن زادت أعصابنا توترا، فقد كنا نظن أننا سنستمع إلى حديث فني عن الزراعة وعن الشئون الاقتصادية في الريف، ولكننا سمعنا بدلا من هذا خطبة من نار دعينا فيها إلى الذهاب إلى الريف لنقاتل أهله، فننفذ ما أمرنا به أو نموت في سبيله.
وكان مما قاله لنا: «أيها الرفاق! ستقضون في الريف شهرا أو ستة أسابيع، فقد تأخر إقليم دوبتردنبروفسك عن غيره من الأقاليم ، وكنا قد تلقينا الأوامر من الحزب ومن الرفيق ستالين أن يتم تنظيم المزارع الجماعية قبل أن يحل الربيع، ونحن الآن في أواخر الصيف ولم يتم العمل بعد، وتبين لنا أن ولاة الأمور المحليين في الريف يحتاجون إلى حقن من الحديد البلشفي، ومن أجل هذا بعثنا بكم إليهم.
وعليكم أن تضطلعوا بواجبكم وأنتم أشد ما تكونون شعورا بالتبعة الملقاة عليكم من حزبكم، فلا تشكوا ولا تسمحوا لمبادئ الحرية البالية أن تنفذ إلى عقولكم، وألقوا بالمبادئ الإنسانية التي تعتنقها الطبقات الوسطى من النافذة، وكونوا في عملكم بلاشفة خليقين بزعامة لينين عليكم، واقضوا على عملاء كبار الزراع أينما رأيتموهم، فنحن معهم في حرب، إما أن يقضوا علينا فيها أو نقضي عليهم! ويجب أن تمحى البقية الباقية من النظم الزراعية الرأسمالية مهما بذلنا في سبيل محوها من الجهود!
অজানা পৃষ্ঠা