هرثمة :
يا أمير المؤمنين، ما لمسرور وسلام خادمي أبيك الرشيد يحبسان بغير ذنب، ويأخذ هذا المجوسي أمتعتهما فيمزقها ويحرقها. ألأنهما أعانا أباك الرشيد في الفتك بجعفر البرمكي وآله، فيأتي هذا وينتقم من الأحياء للأموات؟
المأمون (غاضبا) :
يا هرثمة ما لك وذكر ما لا نحتاج إليه!
وهنا نهض الفضل في غضب وحقد وقال لهرثمة: وما أنت وهذا يا سفيه، يأمرك أمير المؤمنين أن تمسك عن الكلام، ولا تتعرض لما لا يعنيك، فتأبى، وتقول ما تقول غير مكترث بحقه، ولا سامع لقوله، ولا محترم لطاعته! أو تظن أنك تكرهه على أن يسمع منك لغوا، ويصدق منك كذبا، ويأخذني بما سولت نفسك البغيضة حسدا منك لأوليائه وتطاولا على خاصة رجاله؟ ويلك! وأين لك هذه المنزلة؟ تقول لأمير المؤمنين إنك تنبهه إلى أمره، وتقوم له بالنصح، وكأنه نزل منك حيث ينزل الولي من المولى، وقد ردك في ذلك ردا لطيفا، وأجابك جوابا لينا، فما ارعويت، ولا استحييت، بل كنت تجيب بالقول الجريء والكلام البذيء. أكان حلم أمير المؤمنين أعزه الله يسع منك أكثر ما وسع، وقد أتاه ما كان من سعيك لإبراهيم بن المهدي وثنائك عليه، وخيانتك ليلة خلع الأمين، لولا أن طاهرا بن الحسين
10
فطن لما دبرت وكشف ما عليه تآمرت، فأوقعك الله وأوقع المخلوع، فخرجت من نهر دجلة تزعم أنك كنت تريد أسره والذهاب به إلى الخليفة، وتسليمه بردة الخلافة والخاتم والقضيب، فما صدقتك ولا سمعت لك وأبعدتك عن نعماء أمير المؤمنين، فرحت تشيع الأباطيل، وظننت يا جاهل بسوء تدبيرك، أنك لو أتيت أمير المؤمنين، فلغوت بما لغوت، واجترأت بما اجترأت، صدقك وأحلك محل الناصح الأمين، ولكنك ما كدت تفتح شفتيك بما افتريت حتى استبان سوء قصدك، وعرف سبيل غيك، فأوقفك عند حدك وردك إلى شأنك، فما انتبهت ولا ارعويت. «أرأيت لو أن أمير المؤمنين بطش بك الساعة أكان لك منه معاذ؟ والله لأكاد أركلك برجلي ركلة تذهب بك إلى نار جهنم. اذهب. اخسأ. لا رحمك الله.»
ثم نادى الفضل دينارا وجنده قائلا: خذوا برجل هذا الجاهل السفيه وجروه على وجهه إلى السجن!
ففعل الجند ما أمر الفضل، وسكت المأمون ثم قال له: أحسنت يا فضل، والله لو لم تقل له ما قلت لكنت قلته، ولو لم تفعل ما فعلت لأمرت الساعة أن يقتل.
ثم نهض المأمون، وأذن للفضل والحاضرين بالانصراف، لكنه استبقى كاتبه عمرو بن مسعدة. •••
অজানা পৃষ্ঠা