নাৎসি জার্মানি: আধুনিক ইউরোপীয় ইতিহাসের একটি অধ্যয়ন (১৯৩৯-১৯৪৫)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
জনগুলি
S. S.
الخاضعين لرياسته قوة منفصلة من السلاح الجوي خاصة بها، فلقي هذا الطلب معارضة شديدة من الجنرال «براو شيتش» ومن هيئة القيادة العليا للجيش الألماني، ومن جانب فريق من كبار الضباط وخصوصا في سلاح الطيران، وكانت حجة المعارضين أنه ينبغي الاحتفاظ بوحدة القيادة العليا العسكرية وعدم تجزئتها، وأنه ما دامت التنظيمات النازية الحزبية المعروفة، وهي فرق الهجوم وفرق الحرس قد دخلت في خدمة الجيش، فقد أصبح من المتحتم عليها الخضوع التام لنظامه. وأمام هذه المعارضة، رأى «هيملر» أن يلجأ إلى «هتلر» حتى يحصل على تأييده، ولكن «هتلر» كما كانت عادته في هذه الأمور ظل مترددا، ورأى تأجيل الفصل في هذا الموضوع، وعندئذ وجد الضباط والقواد بدورهم، وكانوا قد فاتحوا «هتلر» نفسه في الأمر، أن يستميلوا إلى جانبهم «هرمان جورنج». بيد أن «جورنج» الذي كان قد بدأ يفقد في تلك الأونة ذلك النفوذ القديم الذي تمتع به طويلا، لم يلبث أن رأى من مصلحته عدم القطع برأي حاسم قد يرضي فريقا ويغضب فريقا آخر، وفضل بدلا من ذلك أن تظل علاقاته طيبة مع الجماعتين، ولكنه لما كان يرى في شخص «هيملر» منافسا خطيرا له فقد لجأ إلى استخدام الجنرال «ميلش» وسيطا لدى كبار ضباط الطيران في السلاح الجوي حتى يطلب إليهم إعداد «مذكرة» في هذا الموضوع يرفعونها إلى هتلر، متضمنة احتجاجا شديدا على ما يريده «هيملر»، وقد أعد هؤلاء الضباط المذكرة فعلا، وكان عددهم أحد عشر، وعلى رأسهم كل من «أوديت»، «مولدرز»، و«فون فيرا» و«ويلبرج»، فكانت نتيجة ذلك أن اختفى الموقعون عليها في أيام قليلة، فجاء هذا الحادث دليلا جديدا - إلى جانب حوادث أخرى من نوعه - على أن الضعف قد بدأ يتطرق إلى قوة الحرب الألمانية بسبب ذلك الانقسام القائم على وجه الخصوص بين المنظمات النازية العسكرية، وهي تنظيمات حزبية وقوة الجيش المقاتلة النظامية في ألمانيا. وأحدث انقساما كبيرا بين كبار القواد الألمان فشل الألمان في الاحتفاظ بستالينجراد في أواخر عام 1942، واضطرارهم إلى تسليمها للروس ثم التقهقر المستمر في الجبهة الروسية منذ نوفمبر من العام نفسه إلى أواخر 1943، وبدأ جماعة من الضباط الألمان في الجبهة الروسية يضعون الخطط من أيام تسليم «فون باولوس» في ستالينجراد لإسقاط هتلر، وسرعان ما تطورت هذه الخطط بعد ذلك حتى أصبحت مؤامرة طفق أصحابها يضعون التدابير لاغتياله، وكادت المؤامرة تنجح وقتذاك لولا أن الصدفة وحدها جعلت هتلر يغادر مركز القيادة قبل تنفيذها بحوالي خمس وعشرين دقيقة.
وكانت معركة ستالينجراد فاتحة شؤم على الجيوش الهتلرية؛ إذ انهالت عليها الضربات من كل جانب، فنزلت القوات البريطانية والكندية في جنوبي إيطاليا في سبتمبر 1943، واستمر زحفهم إلى الشمال طوال العام التالي، وأزال سقوط «كاسينو» العقبات التي كانت تعترض سبيل الحلفاء في الطريق إلى روما «مايو 1944»، فتقهقر الألمان بدون نظام أمام الغزاة. وفي أوائل يونية نزلت القوات البريطانية والأمريكية من البحر والجو على ساحل أوروبا الغربي في مقاطعة نورمانديا، فأعلن تشرشل في مجلس العموم البريطاني في 6 يونية 1944 بدء الغزو وفتح الجبهة الثانية، وبدا كأنما قد أطبقت جحافل الحلفاء على «قلعة هتلر» التي ظلت مصدر رعب وفزع ردحا من الزمن، وأنه لا مفر من تقويض أركانها بسرعة خاطفة، وعندئذ أفاق الزعماء النازيون من غفلتهم، وكان من المتوقع أن يتضافروا على دفع هذه الكارثة التي نزلت بساحتهم، ولكن بدلا من ذلك فوجئ العالم يوم 20 يولية 1944 بإذاعة من برلين أن فريق القواد المتذمرين في الجيش الألماني منذ أيام الحملة الروسية أرادوا اغتيال هتلر، ومع أن العناية الألهية وحدها - على حد قول إذاعتهم - هي التي أنقذت هتلر من الموت في «أوبرسالزبرج»، وأن جوبلز استطاع أن يحبط محاولة «عصبة كبار الضباط للاستيلاء على مباني الحكومة في برلين»، فإن الأمر كان على جانب عظيم من الخطر؛ إذ ثبت أن عددا من كبار القواد الذين قادوا الجيوش الألمانية المنتصرة في السنوات الماضية كانوا ضالعين مع المتآمرين أو كانوا على الأقل من الناقمين على هتلر وجماعته، فعزل هؤلاء من مركز القيادة، وكانوا الفيلد مارشال فون رونشتد القائد العام السابق للجيش الألماني في غرب أوروبا، والفيلد مارشال فون براوشتش قائد القوات الألمانية البرية العام سابقا، والفيلد مارشال فون بوك أحد قواد الجيش في روسيا، وزملاؤه الثلاثة في الحملة الروسية الفيلد مارشال فون لبيب، والفيلد مارشال فون مانشتين والفيلد مارشال فون كلايست، ثم الجنرال فون فالكنهاوسن القائد العام السابق في هولندة. وفضلا عن ذلك فقد تمردت وحدات من القوات البرية والبحرية، وقام الأهلون بحركة عصيان واسعة في المناطق الصناعية التي خربتها قذائف طائرات الحلفاء في ستوتجارت وشواينفرت وبريمن وميونخ، ونشبت الثورة بين وحدات من الجيش الألماني في جنوبي ألمانيا واشتبك الجيش مع الجستابو في جهات مختلفة بألمانيا، ووقعت مصادمات بين شراذم الهجوم وجنود الجيش الألماني في فرنسا في بوردو وليموج ونيم ونانت، وأعطى الفوهرر هيملر سلطات واسعة فقام الآخر بعمليات تطهير واسعة قاسية، فانقض الجستابو على كل من اشتبهوا في أمره يعدمونه رميا بالرصاص أو يرسلونه إلى معسكرات الاعتقال، ونفذ الإعدام في كثير من المقبوض عليهم، وأودع غياهب السجون عديدون من العلماء والنبلاء ورجال المال والصناعة. وتألفت في أوائل أغسطس 1944 «محكمة الشرف»، وكانت مهمتها عزل القواد الذين تحوم حولهم الريب في الجيش، ورفع أسمائهم إلى هتلر حتى يتخذ قرارا بتقديمهم إلى «محكمة الشعب الألمانية»، فباشرت محكمة الشرف مهمتها، وأصدرت قرارها بإدانة كثير من القواد وفصلهم من خدمة الجيش، وبعد محاكمة دامت يومين أصدرت محكمة الشعب الألمانية أحكامها على ثمانين من القواد بالإعدام، ثم نفذ فيهم الحكم شنقا.
ووسط هذا الاضطراب الشامل ظلت تجيء الأخبار السيئة من كل جانب منبثة بتحرج الأمور في الميدان الروسي والجبهة الغربية وميدان إيطاليا، ولم يحدث إعدام القواد المتآمرين أو الضالعين معهم أو انتحار فريق منهم أي تأثير في بقية الضباط والقواد المتذمرين في الجيش الألماني حتى إنه في أوائل سبتمبر كان شغل هؤلاء الشاغل إفساد جميع الخطط التي كان يضعها الفوهرر لمنع إطباق العدو على دولة الزعامة المسئولة، فقد رفض الجنرال فون شولتز أن ينفذ أوامر هتلر له بتدمير أقصى ما يمكن تدميره من باريس حتى يتأخر زحف الحلفاء في فرنسا وبلجيكا، وعظم الشعور بأن اهتمام القواد الألمان كان منصرفا إلى محاولة إدخال قوات الحلفاء الزاحفة من الغرب إلى ألمانيا قبل وصول الروس إليها، واعترف جوبلز بحرج موقف ألمانيا في منتصف سبتمبر.
وفي أواخر الشهر نفسه بعث فون رونشتد بتقرير عن سوء الموقف في الجبهة الغربية، فاشتد القلق بالهر هتلر وفقد السيطرة على أعصابه؛ إذ بات متيقنا من تدهور الروح المعنوية في نفوس قواد الجيش الألماني، وذلك علاوة على ما كان يخامره من ريبة شديدة في ولائهم أو في عزمهم الصمود أمام العدو، ولمس هتلر تدهور الروح المعنوية في أقرب الناس صلة به وتطايرت الشائعات أن هيملر وجوبلز وجورنج وغيرهم من كبار رجال حكومة الريخ الثالث يعدون العدة للفرار من ألمانيا، حينما يرون بوادر الانهيار التام تلوح للأبصار، ولكن إطباق الروس عليهم من جانب وقوات الأمريكيين والبريطانيين من جانب آخر، لم يدع لهؤلاء الزعماء والقواد فرصة للهرب، وكان الروس أول من طرق أبواب برلين، ونشطت طائرات الحلفاء في تسديد الضربات القاصمة إلى قلب الريخ الألماني، وكان على إثر إحدى هذه الغارات الشديدة أن لقي الهر هتلر حتفه تحت أنقاض دار المستشارية في 1-2 مايو 1945، واختلفت مصائر بقية الزعماء؛ فآثر جوبلز الانتحار، أما بقية الزعماء فقد قدمهم الحلفاء المنتصرون إلى المحاكمة في نورمبرج إحدى معاقل النازية، وأصدرت المحكمة العسكرية الدولية حكم الإعدام على المرشال «هرمان جورنج» والمرشال «ويلهلم كيتل» والجنرال «ألفريد يودل» و«هانز فرانك» و«يوليوس شترايخر» و«سايس أنكوارت» و«يواكيم فون رينتروب» و«أرنست كالتنبرونر» و«ألفريد روزنبرج» و«ويلهلم فريك» «وفريتر سوكل»، وصدر حكم الإعدام أيضا غيابيا على مارتن بورمان الذي اختلفت الآراء في مصيره، كما حكمت بالسجن المؤبد على رودلف هيس والأميرال رايدر وولتر فونك، وحكمت على الأميرال «دونتز» بالسجن عشر سنوات وبخمسة عشر عاما على فون نوراث، وبعشرين سنة على بالدور فون شيراخ وألبرت سبير، وقد أفرج عن كل من هيالمار شاخت وهانز فريتش، وفرانز فون بابن، وكان إصدار الحكم بتاريخ أول أكتوبر 1946، وقد نفذ حكم الإعدام شنقا في 16 أكتوبر 1946، وأما جورنج فقد انتحر قبل تنفيذ الحكم بساعات، وقد أحرقت جثث الأحد عشر زعيما فصارت رمادا تذروه الرياح.
الفصل التاسع
السلام الدائم
كانت خاتمة حياة الزعماء والفلاسفة النازيين على النحو الذي شهدناه قصاصا عادلا لجماعة توهموا أو زين لهم الشيطان أن باستطاعتهم أن يفرضوا سيطرتهم على العالم أجمع إذا هم أحكموا تدبيرهم فسلبوا الشعوب حرياتها، وأرغموا الأمم على الخضوع لسلطانهم، ولم تكن ثم مندوحة عن انهيار دولتهم في النهاية؛ لأن ذلك «النظام الجديد» الذي ابتكره خيالهم كان مبنيا على قواعد مستمدة من «فلسفة» هي أقرب إلى الخلط منها إلى شيء آخر؛ فلسفة تقسم الأمم والشعوب إلى طبقات وطوائف من السادة المبجلين الذين توهموا أن من حقهم الأزلي فرض سيطرتهم وسلطانهم على بقية أبناء البشر لا لسبب سوى أن القدر على حد قولهم قد أجرى في عروقهم دما نقيا، وأنشأ هؤلاء السادة في تربة لا تنتج غير الرجال الممتازين، وأما من عداهم فمن الهوام والحشرات التي يجب إبادتها أو معاملتها معاملة الرقيق. وأي نظام ذلك الذي طمع النازيون في إرغام الشعوب على قبوله وهم من الناحية السياسية يريدون الرجوع بالعالم الأوروبي إلى تنظيم عصور مضت وانقضت وصار ينظر إليه الناس على أنه مرحلة من مراحل التطور الإنشائي كان لا بد للعالم من اجتيازها حتى يصل إلى هذه الدرجة من الرقي المادي والمعنوي في هذا القرن العشرين؟ وأي نظام ذلك الذي طمع فيه النازيون في إرغام الشعوب على قبوله وهم من الناحية الاقتصادية يريدون نهب الأمم وسلب ثروتها بطرق بعيدة عن الحق والقانون؟
لقد أفلح النازيون بتدابيرهم أن يستثيروا المقاومة ضدهم من كل جانب، وعلى الرغم من أن دعايتهم المنظمة القوية كانت تذيع في أرجاء العالم أن الفوهرر والقادة النازيين استطاعوا أن يجعلوا من دولة الريخ الثالث كتلة نازية لحما ودما، فإن عوامل الضعف كانت تعمل رويدا رويدا لتقويض أركان هذه الدولة، وهل كان يتسنى للفوهرر وسائر الزعماء أن يخمدوا في صدور تلك الشعوب المقهورة جذوة الأمل في الخلاص من سلطانهم مهما امتد به الزمن وهم الذين حطموا حياة هذه الشعوب من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حتى إن أوروبا الآن ما تزال تعاني آثار الاحتلال النازي؟
وقديما كان من برنامج النازيين أن يعيدوا تكوين البنيان الاقتصادي بأوروبا على نحو يكفل تحقيق غرضين: أولهما؛ جعل الجرمان الخلص أرباب الصناعة والمال وحدهم وأصحاب السيطرة والسلطان بفضل ما يسبغه النشاط الصناعي عليهم من قوة فيزدادون جاها ورقيا، بينما تنصرف بقية الأمم في القارة الأوروبية إلى العناية بشئون الزراعة فتنحط منزلتهم ويصبحون بمرور الزمن عبيدا أرقاء، وأما الغرض الثاني: فهو أن يحطموا كيان الأمم الأوروبية إلى حد يستحيل معه إعادة بنائها إذا قدر لدولتهم الانهيار وخيل إلى النازيين أنهم ما داموا في دست الأحكام بأوروبا كانت عبقريتهم الفذة كفيلة وحدها برعاية النظام الذي وضعوه ، وأما إذا انقضى عهدهم لسبب لم يكن في حسبانهم فلن يستطيع أحد من بعدهم منع أوروبا بأجمعها من الانهيار بعد انهيارهم، ولا جدال في أن النازيين أفلحوا في تطبيق نظامهم الجديد وبالطريقة التي هداهم إليها تفكير فلاسفتهم وزعمائهم، ولكنه لا جدال كذلك في أن هذا النجاح نفسه كان المعول الذي هدم به النازيون بنيانهم الشامخ في أوروبا، ويرجع ذلك إلى أسباب ثلاثة:
অজানা পৃষ্ঠা