مع أن آخر الرواية يكذب أولها؛ لأن قول عبدالرحمن فيها: أما بعد يا علي -إلى قوله-: فلا تجعلن على نفسك سبيلا، يشعر بحرص علي على الولاية إلى حد أنه يحتاج في دفعه عنه إلى التهديد، وتوجيه الخطاب إليه وحده بذلك، لمزيد العناية بدفعه دون غيره.
ومن كان في الحرص عليها إلى هذا الحد لا يولي عبدالرحمن ليختار أحدهم بدون قيد، ولا شرط أن يحكم بكتاب الله، وأن لا يختار إلا أحقهم بهذا الأمر في حكم الله، بل لا يتصور ذلك إلا ممن لا يبالي بها كانت له أم كانت لغيره؟ ولا يبالي بالأمة تولاها من يصلح أم من يفسد؟ فيولي عبدالرحمن ليقول فيها باختياره كأنها سلعة يوكله بيعها أو امرأة يوكله بتزويجها.
مع أن عليا هو أقضى الأمة وأحقها بأمر الأمة(1) فكيف يولي من لا يقاس به ولا يوثق به أنه يوليه، دون أن يشرط عليه الحكم بكتاب الله وسنته رسوله ويشرط عليه أن لا يولي إلا من هو أحق بها في حكم الله لا في أهواء الناس، حتى إذ ولاه قال: إني لم أر الناس يعدلون بعثمان، ولم يقل: إني لم أر رسول الله يعدل بعثمان أحدا، فاعتبر أهواء الناس لا حكم الله ورسوله ولا كمال الصلاحية بالنظر إلى الشريعة ومقاصدها في الخلافة، بحيث يعتبر العلم والمهارة بالقضاء والشجاعة والسخاء والورع، وعلى الجملة أن يكون أعلم الناس بحكم الله في هذا الأمر وأقواهم على القيام بواجبه الذي شرع له هذا الأمر، وبالواجب على من قام به شرعا.
صفحة ٤٧