وكما أنه لا يحتاج إلى الاحتجاج بأنه رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، بل وليس من الأدب، فكذلك لا يحتاج إلى الاحتجاج بأن أنفسهم بيد الله، وذلك ظاهر لا يخفى على مثل علي عليه السلام فهمه وعلمه، بل لا يخفى على أهل الفطنة ممن هو دون علي عليه السلام فلو وقعت هذه القصة لفرد من أفراد الصحابة الذين هم دون علي عليه السلام من أهل الأدب والحياء لاستحيى أن يزيد على الاعتذار بالنوم، فكيف بعلي عليه السلام في حيائه وتوقيره لرسول الله؟ كيف يتصور أن يخاطبه خطاب الجاهل أو الغافل عن الله فيقول له: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله! كأنه لا يعلم أن أنفسهم بيد الله.
ثم إن جعل ذلك جدلا يستوجب ضرب الفخذ وتلاوة {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}[الكهف:54] بعيد أيضا.
وقد روى البخاري مثله عن رسول الله فإنه أخرج(1) عن أبي قتادة قال: سرنا مع النبي ليلة، فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة! قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط قال: ((إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء)) الحديث.
فكيف يعيب النبي قولا مثل قوله، حاشاه(2).
الغرض الذي يتهم به الزهري
هو أنه يريد تصغير علي عليه السلام كما ذكرنا فيما قبل هذا الحديث.
صفحة ٤١