وتفرد الزهري بهذا واضح، وقد روى تلميذه أيوب السختياني نحوه مختصرا من غير طريق الزهري، ولكنه متهم فيه بقصد رفع التهمة عن الزهري، كما أن أيوب متهم برواية: ((ما تركناه فهو صدقة)) تفرد بهذا اللفظ لتعصبه لمذهبه ليدفع الاحتمال، وأيوب متشدد في مذهبه.
نكارة هذه الرواية
هي نكارة مكشوفة عند من أنصف، وقد اعترف بعض المخالفين بها، ففي شرح النووي على مسلم(1): وقال القاضي عياض: قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع -يعني السب المنسوب إلى العباس- لا يليق ظاهره بالعباس، وحاش لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأصاف.
إلى أن قال: وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها.
قلت: التأويل تعسف ومكابرة للعقول، وتكذيب الراوي أقرب من اللجوء إلى التعسفات التي يكذبها الضمير، ولو نطق بها اللسان؛ لأن الراوي غير معصوم عن الكذب، ولا قام دليل على وجوب إجرائه مجرى المعصوم.
فلماذا نكذب أفهامنا؟ ونقيد أفكارنا؟ ونلجم أفواهنا عن جرح الراوي بدون ملجئ؟ وهو يروي ما يشهد الذوق السليم والفكر المحرر: أنه منكر؟!
وإليك التفاصيل لبيان النكارة في هذه الرواية:
أما أولا: فإن مالك بن أوس في هذه الرواية أمره عمر بأخذ المال وقسمته بين قومه، وأفاده أنهم قد دفوا إليه، ليشعره بشدة حاجتهم، ومقتضى ذلك أن يبادر إلى أخذ المال وقسمته، ولا يتصور مع شدة هيبة عمر أن يتراخى مالك ليبقى متفرجا على علي والعباس ومستمعا لما يجري من كلامهما وكلام الحاضرين وكلام عمر حتى تنتهي القضية ليرويها للزهري بتمامها.
صفحة ١٤