وأما ثانيا: ففي الرواية حضور عثمان وعبدالرحمن والزبير وسعد، فلماذا لم يرو القصة أحد منهم، ولم تنقل عنهم، وهم أشهر من مالك بن أوس، والجمهور أحرص على النقل عنهم، وهي قضية -بزعمكم- تحقق حكما شرعيا في هذا المال المتنازع، وتشتمل على رواية الحديث من سبع طرق، وفي ذلك إظهار الحق وإعلان كلمة الصدق -بزعم المخالفين- وإظهار براءة الحكومة، وبراءة أبي بكر من الظلم، وذلك مما تتوفر إليه دواعي الجمهور في ذلك الوقت، وإلى يومنا هذا.
وأما ثالثا: فلماذا لم يروه مالك بن أوس، وقد كان مظنة إشاعته في الناس، لتبرئة الشيخين عن مخالفة كتاب الله والسنة المشهورة بين الأمة عن التوريث.
فكيف لم يروه بهذه الصفة إلا الزهري؟
وكيف لم يروه بطوله إلا الزهري؟
مع شدة توفر الدواعي إلى نقل مثله؟! ألا ترى أنه لما رواه الزهري رواه عنه عدد من الرواة، ثم روي عنهم من طرق كثيرة لتوفر دواعيهم إلى نقله؟!
فإن قيل: قد أخرج أحمد بن حنبل في المسند(1) عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: جاء العباس وعلي عليهما السلام إلى عمر رضي الله عنه فقال: اقض بيني وبين هذا الكذا كذا.
فقال الناس: افصل بينهما، افصل بينهما، فقال: لا أفصل بينهما، قد علما أن رسول الله قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة)) انتهى.
ومثله في سنن النسائي(2):وليس فيه: ((الكذا كذا)) وهو عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان. انتهى.
وحاصل السؤال: كيف تتهمون الزهري بالرواية، وهذه متابعة عن أيوب عن عكرمة بن خالد؟
قلنا: هذه، إن صحت عن مالك بن أوس، تكون بذرة ألقاها إلى الزهري فصارت شجرة، والمراد بذرة القصة المذكورة.
فأما مجرد الحديث ((....لا نورث)) فأظن بذرته من أبي هريرة.
صفحة ١٥