وللطاعة باذلا واستصحب معه شيئا كثيرا من الهدايا النفيسة والأمتعة والجواهر الثمينة ومفاتيح القلعة والمدينة وانما حداه على ذلك الشفقة على رعيته والخوف على أهل مملكته أن يستأصلهم التتار ويحل بهم ما حل بأهل بغداد من البوار فاختار أن يفديهم بنفسه ونفايسه لرأفته بهم ورحمته لهم فشق على أهل الموصل فراقه وخافوا فقده فجاء اليه الأعيان والاكابر وقصدوا تعويقه عن المسير اليه نفعا لهم وصيانة لحريمهم وذبا عنهم فقالوا له نخاف عليك منه فقال لهم لا تخشوا على منه فاني راج أن أتمكن منه وأعرك أذنيه و وسار فلما وصل الى هولاكوا وقف بين يديه حاملا كفنه على كفيه وقدم هداياه وتحفه وتقادمه ولطفه فقبلها منه وأقبل عليه وقال لمن حضر من أكابر الخانات هذا رجل عاقل ذوا سياسة ثم خلع عليه وكتب له پرليغ بتفويض مملكة الموصل اليه على قاعدته وقد كان أرسل اليه من قبل في مبدأ خروجه الى العراقين ولده الملك الصالح ركن الدين اسمعيل بهدايا فاجتمع به وسار من عنده الى منوقان أخيه الى الأردو فأكرمه وقربه وبقي عنده مدة وزوجه بابنة خوارزم شاه التي أخذت عند مقتل أبيها فلما أقام عند منكوقان وأبطأ خبره على أبيه أرسل أخاه سيف الدين اسحق وولده علاء الدين الكشف خبره وجهز معهما هدية أخرى إلى هولاكو فتوجها وعادا وأخبرا بسلامته وقرب عودته فعاد بعدهما بقليل ومعه اليرليغ وفرح الناس برجوعه سالما وزينت الموصل فرحا به وتوجه الى ميافارقين وحضر حصارها وعاد وجهز أخاه وولده لمساعدة ملوك التتار على الحصار وأما قول الملك الرحيم لأهل الموصل أنني أعرك أذن هولاكو فلقد حكيت عنه حكاية تستظرف ونعلم بها سياسته وهو أنه هيأ حلقتي أذن ذهبا وفيهما درتان من الدر النفيس كل واحدة منهما تضاهي الدرة اليتيمة وتباهرها في جلالة القيمة فلما فرغ من عرض تقادمه بين يدي هولاكوا قال له قد بقي معي شيء أحضرته خالصا للقان قال وما هو قال هاتان الحلقتان وهما يصلحان للأذان ومن عادة ملوك التتار آن يتخذوا في أذانهم الجوهر فلما رآهما هولاكوا استحسنهما كثيرا فقال يأمرني القان الأجعلهما في أذنيه لأعلم رضاه عني ويعظم بين الملوك قدرى فأصغي اليه أذنيه فأمسكهما باصبعيه ووضع فيهما الحلقتين واومي لمن كان معه مشيرا اليهم اني قلت لأهل الموصل قولا وقد حققته فعلا وعاد من عنده محترما مكرما الا أنه لم تطل به الأيام حتي اخترمه الحمام.
عليها قصد التعرض اليها فقال له أهلها نحن رعية مطواعة باذلون للملوك الطاعة فسار عنها ثم أرسل هذا المقدم لتسليمها فنازلها بعنف وعسف فأغلق أهلها الأبواب وأوثقوا للتمنع الأسباب فحصرها التتار ستة أشهر حتى هجم عليهم الحر وأصابهم من الوخم الضر فرحلوا عنها فسلمها أهلها الى شرف الدين الكردي ورحلوا بأموالهم وأولادهم الى حيث شاؤا ثم خرج نايب الخليفة بها وهو تاج الدين بن الصلايا وتوجه الى هولاكوا فقتله ظنا و منه أنه الذي امتنع من تسليمها ولم يكن كذلك بل قد كان أشار على أهلها بأن يستأمنوا ويسلموا فأبوا ولم يفعلوا وصبروا حتى خلصوا فكانوا أقوى تلك البلاد عزيمة وأشدهم في المصابر شكيمة.
ذكر ارسال الملك الناصر ولده الى هولاكو
الى هولاكو مسالما وصحبته الهدايا الكثيرة والتحف النفيسة مقتديا في ذلك بفعل صاحب الموصل فلما وصل اليه قبل تقديمه وسأله عن سبب تأخير أبيه الى الحضور الى الأردو فاعتذر اليه بأنه لا يمكنه مفارقة البلاد خوفا عليها من عدو الاسلام الذين بالساحل فأظهر له أنه قبل عذره وأعاده الى والده.
جلد بمدينة دمشق ومولده بمصر وتولي شد الدواوين بالديار المصرية مدة وكان شاعرا مجيدا و ديوانه مشهور ومن نظمه في وصف شعره:
صفحة ٤٣