...ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادا للآخر مناقضا له بحيث لا يجتمعان أبدا فإنه عليه السلام نهى عن الصلاة إلى القبور وهم يخالفونه ويصلون عندها ، ونهى عن اتخاذ المساجد عليها وهم يخالفونه ويبنون عليها المساجد ويسمونها مشاهد . ونهى عن إيقاد السرج عليها وهم يخالفونه ويوقدون عليها القناديل والشموع بل يوقفون لذلك أوقافا وأمر بتسويتها وهم يخالفونه ويرفعونها من الأرض كالبيت ونهى عن تجصيصها والبناء عليها وهم يخالفونه ويجصصونها ويعقدون عليها القباب ونهى عن الكتابة عليها وهم يخالفونه ويتخذون عليها الألواح ويكتبون عليها القرآن وغيره . ونهى عن الزيادة عليها غير ترابها وهم يخالفونه ويزيدون عليها سوى التراب الآجر والأحجار والجص ونهى عن اتخاذها للعيد وأكثر .
...والحاصل أنهم مناقضون لما أمر به الرسول عليه السلام ونهى عنه ومحادون لما جاء به .
...وقد آل الأمر بهؤلاء الضالين المضلين إلى أن شرعوا للقبور حجا ، ووضعوا لها مناسك حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتبا وسماه " مناسك حج المشاهد " مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام فانظر ما بين ما شرعه النبي عليه السلام من النهي عما تقدم ذكره في القبور وبين ما شرعه هؤلاء وما قصدوه من التباين ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره :
...فمنها : تعظيمها الموقع في الافتتان بها .
صفحة ١٥