فأخذوا في شرابهم، وما زالوا يتناشدون ويتنادمون ويتحدّثون حتى كربت الشمس أن تغرب، فطلبوا خلوةً ممّن يغلُ عليهم في شرابهم، فإذا أعرابيٌ كالنّجم المنقض يهوي حتى جلس بينهم، فقال بعضهم لبعض: قد علمنا أنّ مثل هذا اليوم لا يتم لنا؛ ثمّ قال أحدهم:
(أيها الواغل الثّقيل علينا ... حين طاب الحديث لي ولصحبي)
فقال الآخر:
(خفَّ عنّا فأنت أثقل والله ... علينا من فرسخي دير كعب)
فقال الثالث:
(فمن النّاس من يخف ومنهم ... كرحى البزر ركبت فوق قلب)
فقال الأعرابي:
(لست بالنّازح العشيّة والله ... لشجِّ ولا لشدَّةِ ضرب)
(أو تروون بالكبار حشاشي ... وتعلّون بعدهن بقعبي)
وطرح قعبًا كان معلّقًا؛ فضحكوا من ظرفهِ، وحملوه معهم إلى البصرة، فلم يزل نديمًا لهم.
٢٢٨ - قال العتبيّ: اشتدّ الحرُّ عندنا بالبصرة وركدت الرّيح، فقيل لأعرابيّ: كيف كان هواؤكم البارحة؟ قال: أمسك! كأنّه يسمع.
1 / 111