حيث إن الفينيقيين الذين جابوا البحار والمحيطات - منذ أقدم العصور - ونشروا حضارتهم وتراثهم عبر العالم البحري، اتخذوا من الأرجوان الأحمر الدامي شعارا لهم، وهو اللون الذي تصبغ به هذه الملحمة بطلها الزير سالم عائدا منتصرا كأرجوان دام، كما أنه ذات اللون الذي ما يزال يطبع معالمنا المعاشة - وتسميتها بالحمراء - وشوارعها وأحياءها في بيروت، دمشق، عمان، فلسطين، بالإضافة إلى دول وممالك بني الأحمر بالأندلس.
ذلك على الرغم من إقحام النص بين حدث وما يتبعه لخصائص عربية جاهلية؛ من ذلك مصادقة المهلهل لشاعر يدعى امرؤ القيس، أصبح لا يفارق الزير في قتاله الذي دام ثلاثة شهور متصلة في بداية هذا النزال القبائلي الملحمي، فقتل فيها الزير آلاف الأبطال، «وغنم أموالا غزيرة» ساقها عائدا إلى قصر أخيه كليب، حيث استقبلته اليمامة مرحبة، وأطفأ هو لهيبها حين وعدها بقتل جساس والإتيان برأسه شاهرا.
إلى أن زاره «تريزياس» هذه الملحمة، وهو الكاهن العابد نعمان الذي سبق أن صمم لأخيه كليب مؤامرة قتل التبع، والذي أشار على الزير بغياب ملكه أو بغيابه عن ملكه سبع سنين منحوسة وأيامها عليك معكوسة، وعليه أن لا يحارب فيها، وهكذا عاد الزير إلى معاقرته لخمره مصطنعا لنفسه منفى اختياريا.
وعلى عادة تردد هذا الموتيف الذي يصادفنا بكثرة مفرطة - في الحكايات والفابيولات الشفاهية الفولكلورية - لملوك يزورهم متنبئهم وكهنتهم، ويخبرونهم بزوال ملكهم وجاههم لفترات محددة، أبرزهم هنا فرعون يوسف في مصر وسنواته السبع العجاف، والملك معروف في سيرته المهشمة التي سبق لي - شوقي عبد الحكيم - معالجتها للمسرح وتقديمها عام 67.
وهكذا وقعت الهدنة بين المتحاربين.
ولا يستنكف النص ذكر حلم أو رؤيا رآها الأمير جساس في السنة السادسة المنحوسة، رأى فيها جملا بثمانية أنياب اقتحم عليه حوض ماء بالقرب من صيوانه، فشرب وشق الحوض بأنيابه
2
فتبدد الماء وهلك قومه من العطش، ثم رأى النساء والأولاد بثياب السواد «والدم جاري مثل المجاري، والجمال تنهش بعضها البعض.»
بما يفسر ندم جساس ومخاوفه، واستحضاره الكابوس لناقة البسوس التي اقتحمت حماه، وتسببت في إقدامه على اغتيال الملك كليب، وما جر عليه وعلى قومه من حروب وبلايا وحمامات دم.
ويخبرنا النص - في آخر السنة السادسة - أن جساسا تمكن من سرقة مهر الزير سالم «الأدهم المدعو بعندم».
صفحة غير معروفة