============================================================
كليا إلى العمل الدعوي كداعية إسماعيلي حركي، ولعل هذا حصل في أواخر حياته . وهذا هو معنى عبارة ابن بابويه السابقة في "تاريخ الري" لدى ابن حجر: كان من أهل الفضل والأدب والمعرفة باللغة، وسمع الحديث كثيرا، وله تصانيف". وهو أمر يتأكد بما ينقله نظام الملك من أن الداعية الإسماعيلي غياث، لا حين ترك مرو الروذ، وذهب إلى الري "جعل يدعو أهلها سرا من جديد، واتخذ له في ناحية بشاوية خليفة كان ذا معرفة واسعة بالشعر العربي وغريب الحديث(1) وكنيته أبو حاتم"(2).
من الواضح إذا أن أبا حاتم كان قد كرس الجزء الأكبر من حياته الأولى لنشاط اللغوي. ويبدو أنه أكمل المادة الأولى من كتابه ، إن لم يكن الكتاب بأكمله، في أثناء فترة إقامته في بغداد . لأن إنجاز هذا العمل يتطلب تفرغا كاملا واستقرارا هادئا لمراجعة مئات المصادر حول اشتقاق المفردات اللغوية. والواقع أن بيئة بغداد المستقرة نسبيا في ذلك الوقت كانت هي المكان الأنسب لإنهاء عمل من هذا النوع. فضلا عن ذلك، فإن أواخر أعمال معاصريه التي يشير إليها أبوا حاتم تعود إلى أواخر القرن الثالث. فقد بدأ الزجاج كتابه "معاني القرآن" وانتهى منه بين سنتي 281 -301، وعلى النحو نفسه انتهى أبو القاسم البلخي من كتابه "المقالات" بين سنتي 297-291.
من هنا نرى أن الرازي انتهى من كتابة "الزينة" مع نهاية القرن الثالث الهجري. والأرجح أنه كتب القسم الجوهري منه في بغداد ذاتها. ومن الواضح انه لم يكن معنيا بأي نشاط دعوي في هذه الفترة، بل كان منصرفا تماما إلى النشاط اللغوي. والحقيقة أنه أخفى ما يدل على مذهبه إخفاء تاما، وإن لم يخف تشيعه، بل جاهر به وأعلنه.
(1) في الترجمة العربية لكتاب (سياست نامه) ، وردت عبارة (غريب الحديث) بصيغة (الأحاديث الغريبة) . وهذه ترجمة مغلوطة بالتأكيد، لأن غريب الحديث حقل دراسي يعنى بدراسة المفردات الغامضة الغريبة في كلام القدماء. وهذه إشارة إلى كتاب "الزينة" ، حيث يصنفه نظام الملك ضمن الكتب التي تعنى بغريب الحديث، ككتاب أبي عبيد وابن قتيبة . وقد أشار ابو حاتم نفسه إلى غريب الحديث في مقدمته .
(2) نظام الملك : سياست نامه، الترجمة العربية، ص 250.
صفحة ١٧