تخرج دادا زينات في الليل حاملة الكيس الأسود، تجلس فوق الدكة الخشبية. يتجمع من حولها الأطفال والقطط والكلاب، تفتح الكيس فوق الرصيف، عيناها ترمقانهم وهم يلتهمون الطعام، عيونهم تلمع بالفرح، عيونهم يكسوها البريق، يشبه البريق في عيني ابنها وهو طفل، حين كانت تضع أمامه كوب اللبن أو البيض المقلي في السمن.
بينما كانت دادا زينات عائدة إلى غرفتها، وهي تمشي في الظلمة، تعثرت قدماها في شيء صغير ملفوف، ليس طفلا ميتا أو كلبا أو قطة داستها سيارة مسرعة. كثيرا ما تعثرت قدمها في أشياء ميتة ملقاة في عرض الطريق أو فوق رصيف، تنثني بجسمها النحيف، تلتقط الشيء بأصابعها الرقيقة الطويلة الرفيعة، تهزه المرة بعد المرة، تتأكد أنه ميت، تحمله بين ذراعيها بعيدا عن الطريق، تضعه على جانب الرصيف، أو تحفر له حفرة بين الأسفلت والأرض بحذاء النيل.
كان الشيء الملفوف ساخنا، تمشي في عروقه الدماء، أحست دادا زينات السخونة وهي تحمله بين ذراعيها، النبض كان يسري منه إلى صدرها. ارتجفت وتوقفت، كشفت الغطاء عن وجهه، طالعتها المقلتان الكبيرتان تشعان بالضوء، كشفت الغطاء عن الفخذين الصغيرتين المضمومتين بقوة، لم تر قضيب ابنها الصغير بل الشق في جسد الأنثى، رفعت عينيها تخاطب الرب: زي بعضه يا رب، البنت زي الولد، نحمدك يا رب ع الحلوة وع المرة.
لم تفارقني صورتها منذ الطفولة، قامتها الطويلة الممشوقة، رأسها المرفوع، مقلتاها الكبيرتان تتوهجان. تجري أصابعها الطويلة الرشيقة فوق البيانو بسرعة البرق، كنت أتمنى أن أكون مثلها وإن قالوا عني بنت زنى.
على جدران المراحيض في المدرسة كنا نكتب اسمها بالطباشير. - زينة بنت زنات.
كانت تكتبه فوق السبورة أمام عيوننا دون حياء؛ تفخر بأمها زينات. كنا نخجل من ذكر أسماء أمهاتنا بصوت مسموع، لا يمكن أن نكتبه فوق الكراسة فما بال السبورة؟! لم تكن أمي خادمة بالبيوت مثل أمها، كانت أمي الأستاذة الكبيرة بدور الدامهيري، زوجة الكاتب الكبير زكريا الخرتيتي، أكتب اسمه إلى جوار اسمي فوق السبورة: مجيدة زكريا الخرتيتي.
أقول للبنات: إن لأبي عمودا طويلا في الجريدة، وعزبة كبيرة في المنصورة. ترمقني البنات بإعجاب، تتملقني الناظرة والمدرسون والمدرسات، إلا واحدة هي أبلة مريم.
كانت تدرس لنا الموسيقى، تمسك أصابع زينة بنت زينات، ترفعها عاليا؛ لتراها كل البنات: «أصابعها خلقت للموسيقى يا بنات، انظرن إلى أصابعها، إنها موهوبة ليس لها مثيل، مخلوقة للموسيقى.»
كلمة الموسيقي كان لها سمعة سيئة، سمعنا المدرس يقول: الموسيقى من أعمال الشيطان، مثل الرقص والغناء. الغناء مهنة الغواني الباغيات، وليس بنات العائلات. من تنام منكن على صوت الموسيقي وليس ترتيل القرآن تدخل النار، وتحترق فيها إلى الأبد.
تسري الرعدة في جسدي وأنا جالسة في الفصل، انتفاضة تشملني من قمة الرأس حتى بطن القدمين. أحس شريط البول الدافئ ينساب من تحت المريلة فوق ساقي اليسرى يبلل جوربي، يدخل في حذائي الجلدي الأسود، أطبق فخذي بقوة أخشى أن تتسرب الرائحة إلى الفصل والبنات.
صفحة غير معروفة