فصفق القس جبرائيل كفا على كف معجبا مبتهجا، ثم بسط ذراعيه إلى القس بولس، فضمه إليه يقبله ويقول: غفر الله ذنوبنا أجمعين، لقد سامحتك سارة وغفرت ذنبك وهي على فراش الموت، يا مريم، يا مريم، استفيقي يا بنتي، استفيقي، افرحي تهللي، ها قد ظهر قسم من سعادتك، ها هو ذا أبوك. - أبي، أبي! - نعم أبوك.
فأيقظتها الدهشة وجلست تنظر إلى الراهبين حائرة بائرة. - أبي أين أبي؟ من هو أبي؟
فضمها القس بولس إليه هاتفا: بنتي الحبيبة، بنتي مريم! أجثو أمام أمك فيك، أسأل الله أن يغفر ذنبي، رحم الله أمك، غفر الله ذنبي.
وضمها إليه وطفق يقبلها مبتهجا، مضطربا، باكيا.
الفصل الثاني والعشرون
على شاطئ البحيرة عند تلحوم امرأة تناهز الأربعين من العمر تحدث أحد النوتيين، وولد صغير صبوح الوجه، أشقر الشعر، حاد النظرات، أنيق الثياب لا يتجاوز الرابعة من سنه يلعب على الرمل ويراقب القوارب القادمة من طبريا وسمخ. - يا لطيفة، يا لطيفة، زات السختولا.
فأدارت الامرأة وجهها وإذا بالصبي قريب من الماء، فصاحت به مذعورة: فريد، فريد! يا ربي، يا مريم العذرا! وركضت إليه تجذبه بيده وتضربه عليها. - قلت لك ألف مرة لا تقترب من الموج، قم نرجع إلى البيت، ما جاء أحد اليوم.
فصرخ فريد متأوها وجلس على الرمل يقبض على رجله بيده كأنها حرقت أو جرحت. - عرفت حيلتك، قم يا حبيبي، قم اركب على ظهري. - فركب فريد ضاحكا متثبتا، وعادت به إلى البيت؛ بيت القس جبرائيل في السهل وهي تغني له:
والدوم ويلي عالدوم
راحت يا حرام الشوم
صفحة غير معروفة