عدا مالكًا فانه لا يستحب قراءتها في الصلاة «١» .
واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به «٢»، فنقل جماعة عن أحمد: أنه لا يسن الجهر بها، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن مغفَّل، وابن الزبير، وابن عباس، وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، وابراهيم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وسفيان الثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وأبو عبيد في آخرين. وذهب الشافعي إِلى أن الجهر بها مسنون، وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان، وعطاء، وطاوس، ومجاهد.
فأما تفسيرها: فقوله: بِسْمِ اللَّهِ اختصار، كأنه قال: أبدأ باسم الله، أو: بدأت باسم الله. وفي الاسم خمس لغات: إِسم بكسر الألف، وأُسم بضم الألف إذا ابتدأت بها، وسم بكسر السين، وسم
_________
(١) قال القرطبي ﵀ في «الجامع لأحكام القرآن» ١/ ١٣٢: وجملة مذهب مالك وأصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة، ولا في غيرها سرا ولا جهرا.
ويجوز أن يقرأها في النوافل. هذا هو المشهور في مذهبه عند أصحابه. وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل، ولا تقرأ أول أم القرآن. وروي عن ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصّلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال. ومن أهل المدينة من يقول: إنه لا بد فيها من بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ منهم ابن عمر وابن شهاب.
وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد. وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية كما ظن بعض الجهّال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين، وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور، والحمد لله. وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة، منهم: أبو حنيفة، والثوري وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمّار وابن الزبير، وهو قول الحكم وحمّاد وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد، وروي عن الأوزاعي مثل ذلك. وانظر المغني ٢/ ١٤٧- ١٤٩.
(٢) قال الإمام الموفّق ﵀ في «المغني» ٢/ ١٤٩- ١٥١: ولا تختلف الرّواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون. قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ، ومن بعدهم التابعين منهم أبو بكر وعمر وعثمان، وعليّ. وذكره ابن المنذر، عن ابن مسعود، وابن الزبير وعمار. وبه يقول الحكم وحمّاد، والأوزاعي، والثّوري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي. ويروى عن عطاء، وطاوس، ومجاهد وسعيد بن جبير، الجهر بها. وهو مذهب الشافعي لحديث أبي هريرة، أنّه قرأها في الصّلاة. وقد صح عنه أنه قال: ما أسمعنا رسول الله ﷺ أسمعناكم، وما أخفى أخفيناه عليكم. متفق عليه. وعن أنس، أنه صلّى وجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم. وقال: أقتدي بصلاة رسول الله ﷺ. ولما تقدّم من حديث أم سلمة وغيره، ولأنّها آية من الفاتحة فيجهر بها الإمام في صلاة الجهر، كسائر آياتها. ولنا حديث أنس وعبد الله بن المغفّل، وعن عائشة، ﵂، أن النبي ﷺ كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. متفق عليه. وروى أبو هريرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي» وذكر الخبر. أخرجه مسلم. وهذا يدل على أنّه لم يذكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ولم يجهر بها. وحديث أبي هريرة الذي احتجوا به ليس فيه أنّه جهر بها، ولا يمتنع أن يسمع منه حال الإسرار، كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي ﷺ، مع إسراره بهما، وقد روى أبو قتادة، أن النبي ﷺ كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر. متفق عليه. وحديث أم سلمة ليس فيه أنه جهر بها، وسائر أخبار الجهر ضعيفة، فإن رواتها هم رواة الإخفاء، وإسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف فيه، فدل على ضعف رواية الجهر، وقد بلغنا أن الدارقطني قال: لم يصح في الجهر حديث.
1 / 15