ماذا يحدث لو لم يأت قيصر؟
اليأس لن يتسرب إلى نفسي. سوف أرى القيصر على أية حال.
وسوف أهتف بملء صوتي: أنا رجل من شعبك الأمين يا مولاي. وسوف يضحك قيصر حتى يميل ظهره إلى الوراء، أما أنا فسوف أجري وراء الركب لألحق بعربة قيصر. وسوف يبعدني الحراس عن موكبه برفق ومع ذلك لن أبعد حتى أعرفه بشكواي، وأبسط له حالي، سيقول لي في آخر الأمر: اذهب إلى دار الطعام والكساء، قل لهم لقد بعثني قيصر إليكم.
دار الطعام والكساء قريبة من هذا الشارع.
سأتوجه إليها بعد قليل، بعد أن أكون قد رأيت الموكب وحادثت قيصر.
سأتقدم في غير وجل ولا خوف لأقول للأمين على خزائن الطعام: هذا أنا يا سيدي. لا لن أقول له يا سيدي - ألسنا جميعا سواء! - أتعرف من أين أنا آت إليك؟ سيفتح الأمين فمه من الدهشة، ستتسع عيناه اتساعا كبيرا عندما أقول في صوت لا تخونه الثقة: لقد بعثني قيصر إليك، قال لي: اذهب يا أحب رعيتي إلي، اذهب إلى الأمين ليفتح لك خزائني فكل منها ما تشاء. أشبع بطنك التي هدها الجوع. اكس جسدك الذي أكلته الرياح وهصرته أمطار الشتاء. سوف لا يصدقني الأمين في أول الأمر، وسوف يزمجر غاضبا ويأمر أتباعه أن اطردوا هذا الرجل من دار الطعام. لكنه لن يعرف في سطوة كبريائه أنني قد انتصرت عليه. نعم! لقد بلغته شكواي. وماذا بوسعي أن أفعل أكثر من هذا؟!
أنا لن أيأس كما قلت؛ ففي يدي ورقة دفعت عليها رسم الضريبة، وسطرت عليها شكواي ونمقتها بالخط الجميل، وحشوتها بعبارات المدح والثناء على قيصر العظيم. كيف تصل ورقتي إلى يد قيصر؟ قد تأخذني الحيرة أو تذهب بلبي، فغير بعيد من هذا الحي سأجد قصر العدالة. حقا إنني لم أدخل أبوابه من قبل، غير أنني سأصعد سلالم المرمر، وأمضي إلى الردهة الكبرى. سوف يسألني الحجاب: ماذا تريد أيها الرجل؟ وسوف أرد عليهم في عزم ثابت: أريد أن ألتقي بقاضي القضاة. - إنه مشغول بإقرار العدل في البلاد. - ولكني أريد أن أسمعه شكواي. - وهل نستطيع أن نعرف الرجل الذي تشكو منه؟ - حسن أيها السادة، إنه قيصر!
سيعجب الحجاب من أمري، وسيمد أحدهم يديه ليطردني بعيدا عن قصر العدالة، ولكن سأقنعه أن قيصر هو الذي بعثني، وسوف أفلت من أيديهم لأجري في ردهات القصر باحثا عن قاعة المحاكمات، وسوف أظل في القصر، حتى أجدها. هناك أصرخ بملء صوتي: يا قاضي القضاة! يا قاضي القضاة! ألا تسمع شكواي! وسيرفع القاضي وجهه إلى الجريء الذي دنست قدماه قدس أقداس العدالة، وسيقول لي: ممن تشكو أيها الرجل؟ وسوف أقول بلا أدنى خوف: أنا أشكو قيصر أيها القاضي الجليل.
ماذا عسى أن يفعل القاضي؟ إما أن يعطف على شكواي، ويؤجر المحامين للدفاع عنها - فأنا رجل فقير لا أملك حق الدفاع عن نفسي - وإما أن يثور ساخطا: ضعوه بين المتهمين. أما أنا فلن أغضب أو أثور؛ يكفيني أنني أسمعت القاضي شكواي. وسواء علي أن أقف بين المظلومين أو بين المذنبين، ألم أوفق إلى دخول قصر العدالة في آخر الأمر؟!
أنا أنتظر موكب قيصر. سوف ينحني علي، ويقرب وجهه من أذني، ويقول لي: ستجدني في القصر غدا.
صفحة غير معروفة