59

يوم الإسلام

تصانيف

على قريش بعد أن ملكهم. وشكت مشيخة أمية بعد ذلك لأبي بكر ما وجدوه في أنفسهم من التخلف عن رتب المهاجرين الأولين، وما بلغهم من كلام عمر في تركهم شوراهم. فاعتذر لهم أبو بكر، وقال: أدركوا إخوانكم بالجهاد، وأنفذهم لحروب الردة فأحسنوا الغناء عن الإسلام. ثم جاء عمر فرمى بهم الروم، وأرغب قريشا في النفير إلى الشام، فكان معظمهم هنالك، واستعمل يزيد بن أبي سفيان على الشام، وطال أمد ولايته إلى أن هلك في طاعون عمواس، فولى مكانه أخاه معاوية، وأقره عثمان من بعد عمر، فاتصلت رياستهم على قريش في الإسلام برياستهم قبل الفتح، وما زال الناس يعرفون ذلك لبني أمية. ولما هلك عثمان واختلف الناس على علي كانت عساكر علي أكثر عددا لمكان الخلافة والفضل، إلا أنها من سائر القبائل من ربيعة ويمن وغيرهم، وجموع معاوية هي جند الشام من قريش شوكة مضر وبأسهم نزلوا بثغور الشام منذ الفتح، فكانت عصبيته أشد وأمضى شوكة، ثم كسر من جناح علي ما كان من أمر الخوارج وشغله بهم إلى أن ملك معاوية، وخلع الحسن نفسه، واتفقت الجماعة على بيعة معاوية عندما نسي الناس شأن النبوة والخوارق، ورجعوا إلى أمر العصبية والتغالب، وتعين بنو أمية للغلب على مضر وسائر العرب، ومعاوية يومئذ كبيرهم فاستوت قدمه، واستفحل شأنه، واستحكمت في أرض مصر رياسته، وتوثق عقده، وأقام في سلطانه عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدا من أهل الترشيح من ولد فاطمة وبني هاشم وآل الزبير وأمثالهم، ويصانع رءوس العرب وقروم مضر بالإغضاء والاحتمال والصبر على الأذى والمكروه، وكانت غايته في الحلم لا تدرك، وعصابته فيها لا تنزع، ومرقاته فيها تزل عنها الأقدام.»

وقد ألف المقريزي كتابا لطيف الحجم سماه: «النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم»، وقد ذكر فيه ما يدل على أن النزاع بينهم قديم، فمثلا كانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي وبين ابن أخيه أمية بن عبد شمس، وسببها أن هاشما كانت إليه الرفادة مع السقاية؛ لأن أخاه عبد شمس كان يسافر، وكان أمية يقيم بمكة، وكان أمية رجلا مقلا، ولعبد شمس ولد كثير فاصطلحت قريش على أن يولى هاشم السقاية والرفادة، وكان هاشم رجلا موسرا، وكان إذا حضر موسم الحج اعتبر الحجاج ضيوفه فأكرمهم وأطعمهم وسقاهم. وكان أمية قد صنع في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب: زوج ابنه أبا عمرو بن أمية امرأته في حياته وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية زاد في هذا المقت. ونافر حرب بن أمية عبد المطلب بن هاشم من أجل يهودي كان في جوار عبد المطلب، فما زال أمية يغري به حتى قتل وأخذ ماله في خبر طويل، وتمادت العداوة بين البيتين إلى أن بعث رسول الله

صلى الله عليه وسلم

فقام بمكة يدعو قريشا إلى توحيد الله - تعالى - وترك ما كانت تعبد من دون الله. فعاداه جمع كبير من أمية، ثم كان الحكم بن أبي العاص بن أمية، وكان عارا على الإسلام.

وكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم

بمكة يشتمه ويسمعه ما يكره، ثم أسلم يوم الفتح فلم يحسن إسلامه، وكان مغموطا عليه في دينه. وما زال منفيا في زمن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

وخلافة أبي بكر وعمر، ثم أعاده عثمان، وكان ذلك مما أنكر الناس عليه، وكان أعظم الناس شؤما على عثمان. وقد مات في خلافة عثمان، وضرب على قبره فسطاط، وقالت له عائشة يوما: «أشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه.» وكان يقال له «طريد رسول الله»، وهو والد مروان بن الحكم الذي صارت الخلافة إليه بالغلبة. ومن ولد مروان هذا عبد الملك بن مروان، الذي يقول: «لست بالخليفة المداهن ولا بالخليفة المأفون.» يعني بالخليفة المداهن معاوية، وبالخليفة المأفون يزيد بن معاوية.

ومنهم أبو سفيان: صخر بن حرب بن أمية، الذي قاد الأحزاب، وقاتل رسول الله يوم أحد، وقتل كثيرا من خيار أصحابه؛ منهم حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وقاتل رسول الله يوم الخندق. فلما تمكنوا من الخلافة حكموا الناس بهذه العصبية، ونكلوا بالهاشميين بما كان بينهم منذ الجاهلية من عداوة. وظل الحال على هذا المنوال حتى زالت دولتهم، وكل هذا يفسر ما كان من خلاف بين علي ومعاوية، وقتل يزيد للحسين، وتوالي القتل على ذرية علي. ا.ه.

صفحة غير معروفة