43

يوم الإسلام

تصانيف

فضلا عن أن يصحبوه. (2)

والقبائل البدوية كانت متعادية في الجاهلية، ولما تآخت في الإسلام كان عرق العداوة يضرب في بعضها أحيانا؛ فكانت كل قبيلة تشايع رئيسا من رؤساء قريش، وتتمنى له الدولة؛ ابتغاء أن تتميز لديه على أعدائها الأقدمين. (3)

وهذه القبائل البدوية كان قد أضر بها جهد العيش، وكانت تتربص في البلاد التي افتتحتها أن تتضلع من نعيمها، وكانت تتحين أن تنقلب رتبة الخلافة التي معناها اقتفاء أثر النبي

صلى الله عليه وسلم

إلى رتبة سلطنة وملك، ومعناها اقتفاء آثار الملوك الذين كانوا يعرفون سيرهم وسير كبرائهم في البذخ والاستئثار وتوارث المناصب بالأنساب والحيل لا بالمواهب والعمل.

إن الأمم العجمية من روم، وفرس، وسريان، وعبرانية، وغيرهم، من لم يدخل في الدين منهم لا ظاهرا ولا باطنا، ومن دخلوا فيه ظاهرا فقط كانوا لا يألون جهدا ببث الدسائس؛ ليهدموا ذلك المجد العربي الذي شادته تلك الدعوة المحمدية على أيدي أنصارها الحقيقيين ومن دخل فيه ظاهرا وباطنا، كانوا جهلاء بهذا، ولم ينتزع من قلبهم حب عادات سالفة لهم قومية أو دينية.

فاختل بعض الاختلال ذلك المحيط الذي كان بالأمس أصح محيط على وجه الأرض، ولم يكن اختلاله في أيام أبي بكر ولا عمر إلا طفيفا، وأما في أواخر خلافة عمر فاشتد ذلك المرض الذي حاق بذلك المحيط، وما برح يشتد فيما بعد حتى سقطت قبة الخلافة في أواخر أيام علي. ويرى ولهاوزن أن من أسباب الفتنة قلة ما كان يوزع على المحاربين من الفيء، ولم يعوض عن ذلك كثرة الغنائم في الفتوح؛ بحجة أن المال هو مال المسلمين لا مال الله. وقد ابتدع عمر هذه الفكرة لتقوية مال الحكومة، ولكن أحدا لم يثر عليه لشدته وحزمه، فلما استلانوا جانب عثمان كانت الفرصة سانحة للثورة ...

ويرى رفيق بك العظم أن المسلمين لم يتلافوا أمر هذه الفتنة لأمرين؛ الأول: عدم توفر الشورى والاختيار في البيعة؛ بحيث أخذت الخلافة شكلا ترك ثغرة كبرى للولوج إليها من طريق القوة والتغلب، فأوجد نزاعا مستمرا من أجلها في الأمة أفضى إلى مصير الأمر ليد الغالب، والغالب لا يتقيد بالشورى ولا يجاري رغائب الأمة بالضرورة. والثاني: اصطباغ الدولة منذ نشأتها بصيغة دينية مهدت السبيل لأولياء أمر الأمة بعد الخلفاء الراشدين للأخذ على أيدي الرعية وأفواهها باسم الدين، وجعل الحياة السياسية للأمة حياة دينية لا سبيل معها لنوابغ الأمة وعقلائها للتنقل بها في مدارج الرقي الطبيعي الذي تقتضيه حالة كل عصر، سواء كان في حياة الأمم السياسية، أو حياتها الاجتماعية، لا سيما بعد أن قالوا بحرمة الاجتهاد، ووقفوا عند حد محدود من الفروع. وهذا ما جعل ذلك الضعف الكامن ينمو في جسم الأمة نموا جعلها تأنس بحياة السكون والاستسلام، وتعطي أزمتها إلى الأمراء والحكام حتى في عصر زال فيه الاعتقاد بوجوب الطاعة العمياء للأمراء وجوبا دينيا.

ومع هذا الخلاف الشديد بين المسلمين؛ فقد استطاع معاوية وأهل بيته من الأمويين أن يقضوا على هذه الخلافات بشتى الوسائل، ويؤسسوا إمبراطورية من أوسع الإمبراطوريات، تعلو فيها مآذن المساجد في الهواء، ويؤذن المؤذنون فيملئون الجو بأذانهم، وبذلك اتسعت رقعة العالم الإسلامي، فاستولوا على أكثر الأندلس، وفتحوا عددا من المدن في جنوبي فرنسا، وفي تمام المائة سنة بعد وفاة النبي

صلى الله عليه وسلم

صفحة غير معروفة