وأما ابنه الشاه فتحصن بالقلعة التي أواها أيام السيمجورية، وهي التي سبق وصفها في عزة الجوانب، ومناعة المناكب، وصعوبة المصاعد، والسمو على متون الغيوم الرواكد. واستصحب إليها خواص غلمانه وحزانته «5»، وسائر حاشيته وبطانته، فقصده الحاجب [185 ب] أبو سعيد التونتاش «6» وأبو الحارث أرسلان الجاذب في الجم الغفير من أعيان القواد وأبطال «7» الأفراد، وتقاسما أركان الحصار قذفا بالمجانيق المنصوبة، والعرادات الموضوعة، ومناوشة للحرب من جهات كادت حشاشات النفوس من هول المقام أن تذوق كؤوس الحمام قبل ذوقها بوقع السيوف والسهام.
وواصلا صبوح تلك الحروب بالغبوق، حتى هدما أحد أسوار الحصار، فوضعاه بالحضيض من وقع الجلاميد وصدم المجانيق. وتسلقها أهل العسكر منحين على سائر الأسوار كالعصم «1» واقلة في شم الهضاب، أو الأرانب هاربة من غضف «2» الكلاب.
واشتبكت الحرب على تلك الحال ضربا بالسيوف القواضب، وأخذا باللحى والذوائب، حتى سالت المذانب من دفع النحور، واحمرت المتالع من علق الصدور. ورأى «3» الشاه عند ذلك من هول المطلع ما لم يكن ثم كان، فدعا الأمان الأمان. هيهات، إن غضاب النفوس إذا صادفت نجح المرام ووجه التشفي بالانتقام لموقورة «4» الآذان، أو تفعل أفعالها، وتنال من درك الثأر منالها. وما زالت تلك دعواه وهذه حالهم [186 أ] حتى أخذوه أسرا، واستنزلوه عنوة وقسرا، واستبيح ذلك الحريم بما حواه من درهم ودينار، ومال واستظهار.
صفحة ٣٤٢