328

وغبر مدة على هذه الجملة، وهو بين نخوة الاغترار بسمة الملك ولوثة في الطبع قلما «8» يسلم «9» أمثالها عند الملوك من «10» الهلك، وهو على كل ذلك محتمل، وبلطف القبول والإقبال مقتبل. واستأذن من بعد للانصراف وراءه «11»، فصادف إذنا بالمبار الكريمة مشفوعا، وإلى الخلع الشريفة فوق الهمة المنيفة مجموعا، وعاد إلى أفشين «1» قرارة بيته ومثابة عزه، إلى أن عنت للسلطان غزوة أحب أن يحتشد لها فضل احتشاد، ويستظهر فيها بما حواه «2» من قوة وعتاد، وأمراء جيوش وقواد. وأمر بالكتاب إليه في استنهاضه أسوة أمثاله، ثقة بخصوص حاله وثمرة ما أفاض عليه من سجال أفضاله، فلز به الخذلان [184 ب] عن المكان، ولقنه معاذير واهية الأركان، وظل يتردد بين الحران «3» والإذعان، إلى أن حقت عليه كلمة العصيان، فأعرض السلطان عند ذلك عن تدبيره، وأقبل على ما أهمه من أمر مسيره، حتى إذا دان له ما قصد، وظفر بمن كند «4» و«5» تمرد، و«6» عاد بالفتح خافقا لواؤه، والنجح شارقا ضياؤه، جدد مكاتبته إيمانا له من خيفة إن أوجسها، وإيناسا «7» من وحشة إن لابسها، واستبقاء للصنعية عنده من أن يختضد أشاءها، أو يقتطع دون الماء رشاءها، فلم يزدد إلا نفورا وكفورا «8»، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وعند ذلك جرد السلطان حاجبه الكبير أبا سعيد التونتاش، وفتاه والي طوس أرسلان الجاذب فيمن ضمهم «9» إلى جملتهما، ورسم لهم «10» المسير تحت رايتهما لمناهضة الشارين، وامتلاك الغرش «11» عليهما، وإحاقة وبال العصيان وكفران الإحسان بهما. فنهضا في العدة والعديد، والبطش الشديد، واستلحقا «1» أبا الحسن المنيعي «2» الزعيم بمرو الروذ لمكانه من العلم بمعاطف تلك السبل، ومخارم تلك الشعاب والقلل، فسارا إليهما في رجال قد [185 أ] كدمتهم «3» التجارب، ونيبتهم النوائب، يعجمون بأطراف الثنايا على الزبر، ويدخلون ولو خرت الإبر. ودمرا على الشارين تلك الناحية، فأما الشار الكبير الوالد أبو نصر فاستشف أستار العاقبة، واغتنم شعار العافية، ولاذ بالأمان إلى الحاجب الكبير «4» التونتاش مظهرا البراءة من فعل ولده، وصادعا بما اشتهر في الخاص والعام من عقوقه وتمرده، وتحمل بشفاعته إلى السلطان في ملاحظته بعين من لم يرتكب جريرة، ولم ينغل سريرة، ولم يبدل في الطاعة والإخلاص سيرة. فحدره إلى هراة بين ترفيه اقتضته طاعته، واحتياط أوجبه خلاف الابن وممانعته. وكتب بحاله إلى السلطان، فورد في الجواب ما آمنه رهق المؤاخذة وعنت المعاقبة.

صفحة ٣٤١