أرنست رنان اللامعة قوله إن العقل السامي مفطور على التوحيد. لقد مر الساميون بطور عبادة الآلهة المتعددين ثم جرت منهم محاولة للتوفيق بين شتيت الآلهة فأسبغوا على كل منهم ما للآخرين من خصائص وصفات، فنصلت الألوان المميزة لكل منهم والفارقة بين بعضهم وبعض حتى التبس الأمر في شأنهم وقد حدث شيء من ذلك في بلدان غير سامية مثل مصر واليونان ولكن الأمر لم يبلغ فيها شأوا بعيدا.
فقد كان إله العبرانيين مخبوءا في ظلمة تابوت أو متواريا في غبش داخل خيمة، وكان العبرانيون يجفلون عند رؤيته ويتحرجون من النطق باسمه، فبقيت آلهتهم دون أشكال واضحة أو ملامح محددة.
وبخلاف مصر ذات الجو الجاف الذي يدرأ العطب والفساد عن المومياوات والأصنام والمقابر والمعابد، كانت البلاد التي استوطنها العبريون تتعاورها أطوار جوية عنيفة من أمطار تنهمر ورياح تتناوح
166
وتبعا لذلك تتأثر المومياوات والآثار المقدسة فيسرع إليها التفتت والبلى. وهكذا تقوضت هذه الأشياء؛ فاندرست عبادة الأسلاف، واغتصب الآلهة ذوو الخطر مكان الرجل التاريخي، وسمي الآلهة القدامى بأسماء جديدة متطفلة عليهم فأصبح ملكرت بعل مدينة صور يعبد في زمن متأخر على وهم أنه الإله الإغريقي هرقل. وكان ببلوس صنمان يعبدان على أنهما الإلهان السوريان أدونيس وعشترت، ثم دار الزمن فأصبحا يعبدان باعتبارهما الإلهين المصريين أوزيريس وإيزيس.
167
وقد كان هذا الازدياد في الشبه بين مختلف الآلهة ورغبة القوم في التوفيق بينهم مما عبد الطريق في سبيل المناداة بالوحدانية فيما بعد، وساعد على ذلك أن التصورات الدينية عند الساميين كانت مشوبة بشيء من الإبهام مرده إلى: (1)
خلو حضارة الساميين من الفنون؛ فقلما دار بخلد أحد منهم أن ينقش صورة لإلهه. (2)
الخصائص المتأصلة فيهم والتي نرى الآن نموذجا لها في العرب وما ركب في طبائعهم من كآبة وكبرياء وحذر واسترسال في التخيل واستغراق في التأمل.
هذا ومن الخير أن نلاحظ: (1)
صفحة غير معروفة