رفيق مذبوح،
بفمه العابس
المستدير ناحية البدر.
بالدم المحتقن في يديه
الذي تغلغل في صمتي،
كتبت رسائل مفعمة بالحب.
أبدا لم أكن
أشد تعلقا بالحياة ... (1915م)
في هذه القصائد الباكرة، وقبل أن تصبح فلسفة الوجود - أو الوجودية، كما اشتهرت التسمية غير الدقيقة - في العشرينيات والثلاثينيات، ثم في فرنسا في الأربعينيات والخمسينيات دليلا نظريا لتحقيق الوجود الفردي الأصيل، وممارسة الحقيقة الذاتية في مواقف الاختيار الحر والالتزام المسئول، والقلق والتصميم على مواجهة الموت بالمزيد من تعمق الحياة، وصنع الوجود المتحدي للعدم بمختلف أشكاله. أقول: إن الشاعر قد استطاع في هذه القصائد الباكرة، ومن وحي تجاربه في الخنادق وميادين «المجزرة» الأوروبية، لا من وحي قراءاته لفلسفة لم تبدأ في الشيوع إلا بعد الحرب العالمية الأولى، استطاع أن يقدم مواقف درامية ووجودية مشحونة بكل ما أفاض القول فيه - بعد كيركجورد - فلاسفة وأدباء مثل: «هيدجر»، و«ياسبرز»، و«جبرييل مارسيل»، و«أبانيانو»، و«سارتر»، و«ميرلوبوبتي»، و«مالرو»، و«كامي»، وغيرهم كثير. إنها مواقف اليأس والقلق والاغتراب والوحدة والاكتئاب والحب والتوق الدائم للنور، كل هذا في كلمات تنم عن نزعة حسية شديدة الحساسية والتعاطف مع الطبيعة بكل كائناتها - حتى الحجارة والحصى - وتغمرها مع ذلك روحانية شفافة ومعذبة تنقيها من كل شائبة حسية. هذا الدرس الخالد الذي تعلمه الشاعر من قراءته وترجمته لمالارميه وترتفع بها، وكأنما هي أجنحة نورانية أو رموز مجردة من أي أثر مادي؛ لتندفع بلغتها الشعرية الجوهرية نحو تجربة المطلق، أو العدم وإشباع «النهم إلى الله» على حد قول الشاعر نفسه. اقرأ معي هذه السطور النقية الصافية من قصيدة كتبها في صيف سنة 1918م، بعنوان «سماء صافية»:
بعد الضباب الكثيف،
صفحة غير معروفة