1888م
مولد جوسيبي أنجاريتي في الإسكندرية في الثامن من شهر فبراير، وإن تأخر قيد اسمه بالسجل المدني، حتى اليوم العاشر الذي تثبته كل القواميس والموسوعات، حيث قضى فيها طفولته وصباه وشبابه الباكر، ولم يغادرها إلا بعد بلوغه الثالثة والعشرين من عمره (أي حوالي: سنة 1912م) إلى روما، ومنها إلى باريس؛ لاستكمال دراسته.
ينحدر أبوه وأمه اللذان هاجرا إلى مصر من «لوكا» بمنطقة توسكانيا، من سلالة عريقة من الفلاحين الذين يشتغلون بالزراعة في مساحات صغيرة تقع حول مدينة «لوكا». وقد حضر الأب إلى مصر للعمل في قناة السويس في الحفر وأعمال البناء، ولكن المرض الذي ألم به لم يلبث أن أدى به إلى الموت في سنة 1889م. وتحملت الأم العنيدة الصلبة أعباء الأسرة، ففتحت «فرنا» في أطراف الإسكندرية على حدود الصحراء، وتولت بنفسها إدارته ...
1897م
يبدأ أنجاريتي دراسته في معهد «دون بوسكو» الديني - الذي ما يزال موجودا بالإسكندرية والقاهرة إلى يومنا الحاضر - وهو المعهد الذي سبق أن درس به «مارينيتي» (1866-1944م) زعيم «المستقبلية» الذي ولد كذلك بالإسكندرية، وقد استمرت دراسته فيه من التاسعة إلى السادسة عشرة.
1904م
يواصل دراسته العالية في مدرسة «جاكو» السويسرية التي كانت أرقى المدارس الثانوية في الإسكندرية في ذلك الحين، كما يتابع دراسته للحقوق استجابة لرغبة أمه وإلحاحها عليه. في هذه المدرسة حدثه بعض أساتذته المستنيرين لأول مرة في حياته عن الأدباء الجدد في فرنسا، فراح يتابع المجلة الثقافية الشهيرة «المركير دي فرانس»، ويقبل على قراءة أقرب الكتاب والشعراء والمفكرين إلى قلبه في تلك السن المبكرة، وهم: بودلير، ومالارميه، ونيشته، وليوباردي الشاعر الإيطالي المعروف بتشاؤمه الشديد في أشعاره و«أغانيه» الشهيرة. في هذه السنة أيضا ارتبط بزميله محمد شعيب بصداقة وطيدة، تجلت في القصيدة المؤثرة التي كتبها عن ظروف انتحاره المحزنة في باريس. (راجع قصيدة: «في ذكراه»، ضمن هذه المجموعة المختارة.)
1908م
يبدأ في التردد على «المعسكر الأحمر»، وهو فرع «التجمع الدولي للفوضويين» في الإسكندرية، الذي كان يديره وينظمه صديقه الأكبر منه سنا، والأشد منه عنفا وحماسا وهو «إنريكو بيا»، *
وعندما نظم أعضاء هذا التجمع حركة جريئة لتحرير البحارة المتمردين على ظهر العبارة، أو المدرعة الشهيرة بوتيو مكين (تذكر الفيلم التاريخي الرائع للمخرج آيزنشتين)، التي كانت ترسو آنذاك في ميناء الإسكندرية حاملة المعونات لأسر ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب مسينا بجزيرة صقلية. شارك أنجاريتي في حركة التمرد لفك أسر أولئك البحارة، وقدم للمحاكمة أمام القنصلية الإيطالية بالإسكندرية (في ظل الامتيازات التي كان الأجانب يتمتعون بها)، قبل أن يفرج عنه مع صدور العفو العام عن المتهمين. في هذه الفترة من حياته أخذ أنجاريتي يروج للإلحاد والفوضوية، ويحرر المقالات السياسية والأدبية وينشرها في الصحف المحلية مع بعض الأقاصيص القصيرة والترجمات الأولى، لا سيما لبعض القصص الغربية للكاتب والشاعر الأمريكي إدجار ألن بو (وقد ترجمها عن ترجمة شاعره الفرنسي المفضل مالارميه). والجدير بالذكر أنه لم ينشر حتى ذلك الحين (ولم يكتب أيضا) بيتا واحدا من الشعر، ولكن هذه المرحلة تميزت بكثرة معارفه وأصدقائه الكثيرين؛ ومن أهمهم: الشاعر السكندري كفافيس، والأخوان جان وهنري تويل، اللذان كانت لديهما مكتبة غنية بالمراجع الأدبية والتاريخية، ومنهما سمع عن «الميناء المدفون» من العصر الفرعوني الذي كشف عنه جونديه، وفسره أنجاريتي كرمز للروح الإنسانية التي لا تكشف عن شفرتها، كما جعله عنوان أول دواوينه.
صفحة غير معروفة