[22]
ولما حضرت الحجاج الوفاة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين استخلف يزيد بن أبي مسلم على خراج العراق، فأقام تسعة أشهر.
وحكي إنه سمع من قبر الحجاج صوت، فصير إلى يزيد بن أبي مسلم، فعرف ذلك، فركب في أهل الشام حتى انتهى إلى قبره فتسمع، فلما سمع الصوت قال: يرحمك الله يا أبا محمد، لا تدع القراءة حيا ولا ميتا! ثم ركب. وهذا يشبه ما روي عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص:
أن معاوية مر بسعد في طريق مكة بعد صلاة الصبح، ومعه أهل الشام، فوقف على سعد في طريق مكة، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، فقال معاوية لأهل الشام: أتدرون من هذا؟ هذا سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم حتى تطلع الشمس. فبلغ سعدا ذلك، فقال: ما كان ذلك مني والله على ما قال، ولكني كرهت أن أكلمه.
وبلغ عبد الملك بن مروان أن بعض كتابه قبل هدية، فقال له: أقبلت هدية منذ وليتك؟ فقال: أمورك مستقيمة، والأموال دارة، والعمال محمودون، وخراجك موفر، فقال له: أخبرني عما سألتك عنه؟ فقال: نعم، قد قبلت، فقال: والله إن كنت قبلت هدية لا تنوى مكافأة المهدي لها انك لئيم دني، وان كنت قبلتها تستكفي رجلا لم تكن تستكفيه لولاها، انك لخائن، وان كنت نويت تعويض المهدي عن هديته، وألا تخون له أمانة، ولا تلثم له دينا، فلقد قبلت ما بسط عليك لسان معامليك، وأطمع فيك سائر مجاوريك، وسلبك هيبة سلطانك، وما في من أتى أمرا لم يخل فيه من لوم أو دناءة أو خيانة أو جهل، مصطنع. وصرفه عن عمله.
وكان يكتب لمصعب بن الزبير على الخراج سار زاذ، صاحب باذين. ويكتب له على الرسائل عبد الله بن أبي فروة، ويكنى عبد الله: أبا عبد الله، وهو جد الربيع مولى المنصور.
صفحة ٣٤