ثم وليها محمد بن أبي بكر الصديق من قبل أمير المؤمنين علي، وجمع له صلاتها وخراجها، فدخلها للنصف من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، فجعل على شرطته عبد الله بن أبي حرملة البلوي، فذكر بعض أشياخ مصر: أن قيسا لقي محمد بن أبي بكر، فقال له: إنه لا يمنعني نصحي لك، ولأمير المؤمنين عزله إياي، ولقد عزلني من غير وهن ولا عجز، فاحفظ عني ما أوصيك به يدم صلاح حالك: دع معاوية بن حديج، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أبي أرطاة، ومن ضوى إليهم على ما هم عليه تكشفهم عن رأيهم، فإن أتوك ولم يفعلوا، فاقبلهم، وإن تخلفوا عليك، فلا تطلبهم، وانظر هذا الحي من مضر، فأنت أولى بهم مني، فألن لهم جناحك، وقرب عليهم مكانك، وارفع عنهم حجابك، وانظر هذا الحي من مدلج، فدعهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وأنزل الناس من بعد على قدر منازلهم، وإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذه لا ينقصك ولن تفعل إنك والله ما علمت لتظهر الخيلاء، وتحب الرياسة، وتسارع إلى ما هو ساقط عنك والله موفقك.
فعمل محمد بخلاف ما أوصاه قيس، فكتب إلى ابن حديج، والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته، فلم يحيوه، فبعث بأبي عمرو بن بذيل بن ورقاء الخزاعي إلى دور الخارجة، فهدمها، ونهب أموالهم، وسجن ذراريهم، فبلغهم ذلك، فنصبوا له الحرب وهموا بالنهوض إليه، فلما علم أنه لا قوة له بهم أمسك عنهم.
حدثنا الحسن بن محمد المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، قال: «فصالحهم محمد على أن يسيرهم إلى معاوية، وأن ينصب لهم جسرا بنقيوس يجوزون عليه ولا يدخلوا الفسطاط، ففعلوا ولحقوا بمعاوية»
وحدثني محمد بن موسى الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: «فبعث إلى ابن حديج حجر بن عدي الكندي بأمانة، وبعث محمد بن أبي بكر قيس بن سلامة التجيبي من بني فهم بن أداة، فصنع لهم جسرا بنقيوس، فجاز منه ابن حديج وأصحابه، فلحقوا بمعاوية»
صفحة ٢٤