كتاب الولاة وكتاب القضاة
[كتاب الولاة]
قال أبو عمر: هذا كتاب تسمية ولاة مصر، ومن ولي الصلاة، ومن ولي الحرب والشرطة منذ فتحت إلى زماننا هذا، ومن جمع له الصلاة والخراج على اسم الله وعونه وصلى الله على محمد وآله
أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وأمه النابغة بنت خزيم من عنزة
صفحة ٨
حدثني السكن بن محمد بن السكن التجيبي، قال: حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية المهري، قال: حدثني زياد بن يونس الحضرمي، قال: حدثني يحيى بن أيوب، أن خالد بن يزيد، وعبيد الله بن أبي جعفر حدثاه، عمن أدركا من مشايخهما، وربما قال خالد: كان حنش بن عبد الله، يقول: كان عمرو بن العاص تاجرا في الجاهلية، وكان يختلف بتجارته إلى مصر وهي: الأدم والعطر، فقدم مرة من ذلك، فأتى الإسكندرية، فوافق عيدا لهم يجتمعون فيه ويلعبون، فإذا هموا بالانصراف، اجتمع أبناء الملوك وأحضروا كرة لهم مما عملها حكماؤهم، فتراموا بها بينهم وكان من شأنها المتعارف عندهم من وقعت في حجره ملك الإسكندرية، أو قالوا: ملك مصر، فجعلوا يترامون بها، وعمرو في النظارة، فسقطت الكرة في حجره، فعجبوا لذلك، وقالوا: ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا هذه المرة وأنى لهذا الأعرابي يملك الإسكندرية هذا والله لا يكون.
ثم ضرب الدهر حتى فتح المسلمون الشام، فخلا عمرو بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فاستأذنه في المضي إلى مصر، وقال: إني عالم بها وبطرقها وهي أقل شيء منعة وأكثر أموالا.
فكره أمير المؤمنين الإقدام على من فيها من جموع الروم، وجعل عمرو يهون أمرها، وقد أمر أصحابه أن يتسللوا بالليل، ثم أتبعهم، فبعث إليه أمير المؤمنين: كن قريبا مني حتى أستخير الله.
وذلك في سنة تسع عشرة
وأخبرني أبو سلمة أسامة التجيبي، قال: كتب إلي محمد بن داود بن أبي ناجية بذلك.
وحدثني علي بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدي، عن عبيد الله بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمرو بن العاص كان بفلسطين على ربع من أرباعها، فتقدم بأصحابه إلى مصر، فكتب إلى عمر فيه وكان سار بغير إذن، فكتب إليه عمر بن الخطاب بكتاب أتاه وهو أمام العريش، فحبس الكتاب ولم يقرأه حتى بلغ العريش فقرأه، فإذا فيه: من عمر بن الخطاب إلى العاص بن العاص، أما بعد، فإنه بلغني أنك سرت ومن معك إلى مصر وبها جموع الروم، وإنما معك نفر يسير، ولعمري لو كان ثكل أمك ما تقدمت، فإذا جاءك كتابي هذا، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع.
فقال عمرو: الحمد لله، أية أرض هذه؟ قالوا: من مصر.
فتقدم إلى الفرما وبها جموع الروم، فقاتلهم، فهزمهم.
صفحة ٩
وذكر ابن لهيعة، والليث، وابن عفير أن عمرا سار من الفرما فلقيه الروم ببلبيس، فقاتلوه، فهزمهم ومضى حتى بلغ أم دنين، فقاتلوه بها قتالا شديدا، وكتب إلى عمر يستمده، ثم أتى إلى الحصن، فنزل عليه فحاصره، وأمير الحصن يومئذ المندقور الذي يقال له: الأعرج. . . . . . عليه من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني، والمقوقس إذ ذاك في طاعة هرقل ثم قدم عليه الزبير بن العوام في المدد
حدثنا محمد بن زبان بن حبيب الحضرمي، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمرو بن العاص قدم مصر بثلاثة آلاف وخمسمائة ثلثهم غافق، ثم مد بالزبير بن العوام في اثني عشر ألفا
حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني أبي، عن الليث بن سعد، قال: أقام عمرو بن العاص محاصر الحصن إلى أن فتحه سبعة أشهر
وحدثني يحيى بن أبي معاوية التجيبي، قال: حدثني خلف بن ربيعة الحضرمي، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: فتحت مصر في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين
وحدثنا علي بن الحسن بن قديد، وأبو سلمة ، قالا: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كان عدة الجيش الذي مع عمرو الذين افتتحوا مصر خمسة عشر ألفا وخمسمائة
وقال عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص كان الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثني عشر ألفا وثلاث مائة بعد من أصيب منهم في الحصار بالقتل والموت، وقال سعيد بن عفير، عن أشياخه لما حاز المسلمون الحصن بما فيه: أجمع عمرو على المسير إلى الإسكندرية، فسار إليها في ربيع الأول سنة عشرين، وأمر بفسطاطه أن يقوض، فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه، فقال: لقد تحرمت بجوارنا أقروا الفسطاط حتى تنقف وتطير فراخها، فأقروا الفسطاط، ووكل به أن لا يهاج حتى تستقل فراخها، فلذلك سميت الفسطاط فسطاطا.
صفحة ١٠
وحاصر عمرو الإسكندرية ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوة وهو الفتح الأول، ويقال: بل فتحها مستهل سنة إحدى وعشرين، ثم سار عمرو إلى أنطابلس وهي برقة، فافتتحها في آخر سنة إحدى وعشرين، ثم مضى منها إلى أطرابلس، فافتتحها عنوة سنة اثنتين وعشرين.
وقال الليث بن سعد في تاريخه: فتحها سنة ثلاث وعشرين.
قال: وقدم عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب قدمتين.
قال ابن عفير: استخلف في إحداهما زكرياء بن جهم العبدري، وفي القدمة الثانية ابنه عبد الله بن عمرو، وتوفي أمير المؤمنين عمر في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وبايع المسلمون أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فوفد عليه عمرو بن العاص، فسأله عزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري عن صعيد مصر، وكان عمر ولاه الصعيد قبل موته، فامتنع عثمان من ذلك وعقد لعبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر كلها، فكانت ولاية عمرو على مصر صلاتها وخراجها منذ افتتحها إلى أن صرف عنها أربع سنين وأشهر، فكان على شرطه في ولايته هذه كلها خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب في قول الأشياخ ، إلا أن سعيد بن عفير، قال: دخل عمرو مصر وعلى شرطته زكرياء بن جهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
قال: ثم عزله وجعل مكانه خارجة بن حذافة.
صفحة ١١
ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح الحسام بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب، وأمه مهانة بنت جابر من الأشعريين
ثم وليها عبد الله بن سعد من قبل أمير المؤمنين عثمان.
صفحة ١٢
حدثنا الحسن بن محمد المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث بن سعد: " أن عثمان لما ولي أمر هذه الأمة وعمرو بن العاص على مصر كلها إلا الصعيد، فإن عمر بن الخطاب ولى الصعيد عبد الله بن سعد فطمع. . . . . . . عمرو. . . . لما رأى من لين عثمان أن يرد عمرو بن العاص لمحاربة منويل، ومعرفته بحربهم، وطول ممارسته له، فرده واليا على الإسكندرية، فحارب الروم حتى افتتحها، وعبد الله بن سعد مقيم بالفسطاط على ولايته حتى فتحت الإسكندرية الفتح الثاني عنوة سنة خمس وعشرين، ثم جمع لعبد الله بن سعد أمر مصر كله صلاتها وخراجها، فجعل على شرطته هشام بن كنانة بن عمر بن الحصين بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، ومكث عبد الله بن سعد عليها أميرا ولاية عثمان كلها، محمودا في ولايته، وغزا ثلاث غزوات كلها لها شأن وذكر، فغزا إفريقية سنة سبع وعشرين وقتل ملكهم جرجير، فيقال: أن الذي قتله معاوية بن حديج، وصار سلبه إليه " وحدثني ابن قديد، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني أبو الأسود، عن أبي أويس مولاهم، قال: " غزونا مع عبد الله بن سعد إفريقية في خلافة عثمان سنة سبع وعشرين، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، والراجل ألف دينار.
وغزا عبد الله بن سعد غزوة الأساود حتى بلغ دمقلة وذلك في سنة إحدى وثلاثين، فقاتلهم قتالا شديدا وأصيب يومئذ عين معاوية بن حديج، وعين أبي سهم بن أبرهة بن الصباح، وعين حيويل بن ناشرة، فهادنهم عبد الله بن سعد، فقال شاعرهم:
لم تر عيني مثل يوم دمقله ... والخيل تعدو بالدروع مثقله
فحدثني ابن قديد، عن عبيد الله بن سعيد، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أنه قال: ليس بين أهل مصر والأساود عهد، إنما كانت هدنة أمان بعضنا من بعض، نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا
قال ابن لهيعة: لا بأس بما يشترى من رقيقهم منهم ومن غيرهم.
قال ابن لهيعة: وسمعت يزيد بن أبي حبيب، يقول: كان أبي من سي دمقلة، وغزا عبد الله بن سعد أيضا ذا الصواري في سنة أربع وثلاثين، فلقيهم قسطنطين بن هرقل في ألف مركب، ويقال: في سبع مائة، والمسلمون في مائتي مركب أو نحوها، فهزم الله الروم، وإنما سميت غزوة ذي الصواري لكثرة صواري المراكب واجتماعها.
وأمر عبد الله بن سعد في إمرته بتحويل مصلى عمرو بن العاص، كان يقابل اليحموم، فحوله إلى موضعه اليوم المعروف بالمصلى القديم.
صفحة ١٣
حدثنا ابن قديد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة، وراشد بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن حسين بن سقي، عن أبيه، أنه لما قدم مصر، وأهل مصر قد اتخذوا مصلى بحذاء ساقية أبي عون التي عند المعسكر، فقال: ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل المقروف الملعون وتركوا الجبل المقدس.
قال الحسن بن ثوبان: فقدموا مصلاهم إلى موضعه الذي هو به اليوم
ووفد عبد الله بن سعد إلى أمير المؤمنين عثمان حين تكلم الناس بالطعن على عثمان، واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني في قول الليث، وغيره، وقال يزيد بن أبي حبيب: استخلف عليها السائب بن هشام بن كنانة العامري، وجعل على خراجها سليمان بن عمر التجيبي، وكانت وفادته في وجوه الجند في رجب سنة خمس وثلاثين.
انتزاء محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف
ثم انتزى محمد بن أبي حذيفة في شوال سنة خمس وثلاثين على عقبة بن عامر خليفة عبد الله بن سعد، فأخرجه من الفسطاط، ودعا إلى خلع عثمان، وحرض عليه بكل شيء يقدر عليه، وأسعر البلاد.
صفحة ١٤
حدثنا الحسن بن محمد المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث، عن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي، أن ابن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على ألسنة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ الرواحل فيضمرها، ثم يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث لذلك معهم فيجعلهم على ظهور البيوت، فيستقبلون بوجوههم الشمس لتلوحهم تلويح المسافر، ثم يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة بمصر، ثم يرسلون رسلا يخبرون بهم الناس ليلقوهم، وقد أمرهم إذا لقيهم الناس، أن يقولوا: ليس عندنا خبر، الخبر في الكتب.
ثم يخرج محمد بن أبي حذيفة والناس كأنه يتلقى رسل أزواج النبي عليه السلام، فإذا لقوهم، قالوا: لا خبر عندنا عليكم بالمسجد.
فيقرأ عليهم كتب أزواج النبي، فيجتمع الناس في المسجد اجتماعا ليس فيه تقصير، ثم يقوم القارئ بالكتاب، فيقول: إنا لنشكو إلى الله وإليكم ما عمل في الإسلام وما صنع في الإسلام، فيقوم أولئك الشيوخ من نواحي المسجد بالبكاء، ثم يقول، ثم ينزل عن المنبر وينفر الناس بما قرئ عليهم.
فلما رأت ذلك شيعة عثمان اعتزلوا محمد بن أبي حذيفة وبارزوه، وهم معاوية بن حديج، وخارجة بن حذافة، وبسر بن أبي أرطاة، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، وعمرو بن قحزم الخولاني، ومقسم بن بجرة، وسعد بن مالك الأزدي، وخالد بن ثابت الفهمي في جمع كثير ليس لهم من الذكر ما لهؤلاء، وبعثوا سلمة بن مخزمة التجيبي، ثم أحد بني زميلة إلى عثمان ليخبره بأمرهم وبصنيع ابن أبي حذيفة "
حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن سواد، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، قال: سمعت سلمة بن مخزمة، قال: " لما انتزى ابن أبي حذيفة بمصر بخلع عثمان دعا الناس إلى أعطياتهم، قال: فأبيت أن آخذ منه.
صفحة ١٥
فقدر لي أني ركبت إلى عثمان، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن ابن أبي حذيفة إمام ضلالة كما قد علمت، وأنه انتزى عليه بمصر فدعانا إلى أعطياتنا، فأبيت أن آخذ منه.
قال: قد عجزت إنما هو حقك.
وبعث أمير المؤمنين عثمان سعد بن أبي وقاص إليهم ليصلح أمرهم "
فحدثني محمد بن عبد الوارث بن جرير، قال: حدثنا ياسين بن عبد الأحد بن الليث، قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، " أن محمد بن أبي حذيفة لما انتزى على عثمان، بعث سعد بن أبي وقاص إلى أهل مصر يعطيهم ما سألوا، فبلغ ذلك ابن أبي حذيفة فخطبهم، ثم قال: ألا إن الكذاب كذا وكذا قد بعث إليكم سعد بن مالك ليقل جماعتكم، ويشتت كلمتكم، ويوقع التخاذل فيكم، فانفروا إليه.
فخرج إليه منهم بمائة أو نحوها، فلقوه بمرحلة بني سعد وقد ضرب فسطاطه وهو قائل، فقلبوا عليه فسطاطه وشجوه وسبوه، فركب راحلته وعاد راحلا من حيث جاء، وقال لهم: ضربكم الله بالذل والفرقة وشتت أمركم بأسكم بينكم ولا أرضاكم بأمير أرضاه عنكم "
حدثني محمد بن موسى الحضرمي، قال: حدثني أحمد بن يحيى بن عميرة الجذامي، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: " انتزى محمد بن أبي حذيفة على الإمارة، فأمر على مصر وتابعه أهل مصر طرا إلا أن يكون عصابة، منهم: معاوية بن حديج، وبسر بن أبي أرطاة "
وحدثني ابن قديد، عن عبيد الله بن سعيد، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن حبيب، قال: " وأقبل عبد الله بن سعد، حتى إذا بلغ جسر القلزم وجد به خيلا لابن أبي حذيفة، فمنعوه أن يدخل، فقال: ويلكم، دعوني أدخل على جندي فأعلمهم بما جئت به، فإني قد جئتهم بخير.
فأبوا أن يدعوه، فقال: والله لوددت أني دخلت عليهم فأعلمتهم بما جئت به ثم مت.
فانصرف إلى عسقلان وكره أن يرجع إلى عثمان، فقتل عثمان وهو بعسقلان ثم مات بها، وأجمع محمد بن أبي حذيفة على بعث جيش إلى عثمان "
صفحة ١٦
فحدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، " أن محمد بن أبي حذيفة، قال: من يشترط في هذا البعث؟ فكثر عليه من يشترط، فقال: إنما يكفينا منكم ستمائة رجل.
فاشترط من أهل مصر ستمائة رجل على كل مائة منهم رئيس، وعلى جماعتهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وهم: كنانة بن بشر بن سلمان التجيبي، وعروة بن شتيم الليثي، وأبو عمرو بن بذيل بن ورقاء الخزاعي، وسودان بن أبي رومان الأصبحي، ودرع بن يشكر اليافعي، قال يزيد بن أبي حبيب: وسجن رجال من أهل مصر في دورهم، منهم: بسر بن أبي أرطاة، ومعاوية بن حديج، فبعث ابن أبي حذيفة إلى معاوية بن حديج وهو أرمل ليكرهه على البيعة، فلما رأى ذلك كنانة بن بشر وكان رأس الشيعة الأولى، دفع عن معاوية بن حديج ما كره، ثم قتل عثمان رحمه الله، وكان قتله في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، ثم أن الركب انصرفوا إلى مصر، فلما دخلوا الفسطاط ارتجز مرتجزهم:
حذها إليك واحذرن أبا حسن
إنا نمر الحرب إمرار الرسن
بالسيف كي نخمد نيران الفتن
قال يزيد بن أبي حبيب: فلما دخلوا المسجد صاحوا: إنا لسنا قتلة عثمان ولكن الله قتله.
صفحة ١٧
فلما رأى ذلك شيعة عثمان، قاموا وعقدوا لمعاوية بن حديج عليهم وبايعوه، فكان أول من بايع على الطلب بدم عثمان وفيهم يحيى بن يعمر الرعيني، ثم العبلي، فسار بهم معاوية بن حديج إلى الصعيد، فبعث إليهم بن أبي حذيفة خيلا، فالتقوا بدقناش من كورة البهنسي، فهزم أصحاب ابن أبي حذيفة، ومضى معاوية بن حديج حتى بلغ برقة، ثم رجع إلى الإسكندرية، ثم إن ابن أبي حذيفة أمر بجيش آخر عليهم قيس بن حرمل اللخمي وفيهم ابن الجثما البلوي، فاقتتلوا بخربتا أول يوم من شهر رمضان سنة ست وثلاثين، فقتل قيس بن حرمل، وابن جثما وأصحابهما، وسار معاوية بن أبي سفيان إلى مصر، فنزل سلمنت من كورة عين شمس في شوال سنة ست وثلاثين، فخرج إليه ابن أبي حذيفة، وأهل مصر ليمنعوا معاوية وأصحابه أن يدخلوها، فبعث إليه معاوية: إنا لا نريد قتال أحد إنما جئنا نسأل القود بدم عثمان، ادفعوا إلينا قاتليه عبد الرحمن بن عديس، وكنانة بن بشر، وهما رأسا القوم.
فامتنع ابن أبي حذيفة، وقال: لو طلبت منا جديا رطب السرة بعثمان ما دفعناه إليك.
فقال معاوية بن أبي سفيان لابن أبي حذيفة: اجعل بيننا وبينكم رهنا فلا يكون بيننا وبينكم حرب.
فقال ابن أبي حذيفة: فإني أرضى بذلك.
فاستخلف ابن أبي حذيفة على مصر الحكم بن الصلت بن مخزمة بن المطلب بن عبد مناف، وخرج في الرهن هو، وابن عديس، وكنانة بن بشر، وأبو شمس بن أبرهة الصباح، وغيرهم من قتلة عثمان، فلما بلغوا لد سجنهم معاوية بها وسار إلى دمشق فهربوا من السجن، إلا أبو شمس بن أبرهة، فقال: لا أدخله أسيرا وأخرج منه آبقا.
وتبعهم صاحب فلسطين فقتلهم، فأتبع عبد الرحمن بن عديس رجل من الفرس، فقال له عبد الرحمن: اتق الله في دمي فإني بايعت النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.
فقال له: الشجر في الصحراء كثير.
وقتله "
وأخبرني ابن قديد، عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن ابن عفير، عن الليث، قال: قال محمد بن أبي حذيفة في الليلة التي قتل في صباحها: هذه الليلة التي قتل في صباحها عثمان، فإن يكن القصاص لعثمان، فسنقتل في غد ".
فقتل في الغد، وكان قتل: ابن أبي حذيفة، وابن عديس، وكنانة بن بشر، ومن كان معهم في الرهن في ذي الحجة سنة ست وثلاثين
صفحة ١٨
ولاية قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعده بن كعب بن الخزرج
ثم وليها قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بلغه مصاب ابن أبي حذيفة بعثه عليها وجمع له الصلوة والخراج، فدخلها مستهل شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، فجعل على شرطته السائب بن هشام بن كنانة، فاستمال قيس بن سعد الخارجية بخربتا، وبعث إليهم أعطياتهم، ووفد عليه وفدهم، فأكرمهم وأحسن إليهم.
صفحة ١٩
فحدثني محمد موسى الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: " كانت مصر من جيش علي فأمر عليها قيس بن سعد، وكان من ذوي الرأي والبأس إلا ما غلب عليه من أمر الفتنة، فكان معاوية، وعمرو جاهدين أن يخرجاه من مصر، فتغلب على أمرها وكان قد امتنع منهما بالدهاء والمكايدة، فلم يقدرا على أن يلجا مصر حتى كاد معاوية قيسا من قبل علي، فكان معاوية يحدث رجالا من ذوي الرأي من قريش، فيقول: ما ابتدعت من مكايدة قط أعجب إلي من مكايدة كدت بها قيس بن سعد حين امتنع مني قيس، قلت لأهل الشام لا تسبوا قيسا ولا تدعوا إلى غزوه، فإن قيسا لنا شيعة تأتينا كتبه ونصيحته، ألا ترون ماذا يفعل بإخوانكم النازلين عنده بخربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، ويؤمن سربهم، ويحسن إلى كل راكب يأتيه منهم.
قال معاوية: وطفقت اكتب بذلك إلى شيعتي من أهل العراق.
فسمع بذلك جواسيس علي بالعراق، فانهاه إليه محمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن جعفر، فأتهم قيسا، فبعث إليه يأمره بقتال أهل خربتا وبخربتا يومئذ عشرة آلاف، فأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى علي: أنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم وأهل الحفاظ، وقد رضوا بأن أومن سربهم وأجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية، فلست مكايدهم بأمر أهون من الذي أفعل بهم وهم أسود العرب، منهم: بسر بن أبي أرطاة، ومسلمة بن مخلد، ومعاوية بن حديج، فأبى عليه إلا قتالهم، فأبى قيس أن يقاتلهم وكتب إلى علي: إن كنت تتهمني، فاعزلني وابعث غيري.
فبعث الأشتر "
حدثنا حسن المديني، قال: حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، قال: لما ثقل مكان قيس على معاوية كتب إلى بعض بني أمية بالمدينة: " أن جزى الله قيس بن سعد خيرا، فإنه قد كف عن إخواننا من أهل مصر الذين قاتلوا في دم عثمان واكتموا ذلك، فإني أخاف أن يعزله علي إن بلغه ما بينه وبين شيعتنا.
حتى بلغ عليا، فقال من معه من رؤساء أهل العراق، وأهل المدينة: بدل قيس وتحول.
فقال علي: ويحكم إنه لم يفعل فدعوني.
قالوا: لتعزلنه فإنه قد بدل.
فلم يزالوا به، حتى كتب إليه: إني قد احتجت إلى قربك، فاستخلف على عملك واقدم.
فلما قرأ الكتاب، قال: هذا من مكر معاوية، ولولا الكذب لكدت بمعاوية مكرا يدخل عليه بيته "
حدثنا أبو العلى، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الجراح بن مليح، قال: حدثنا أبو رافع، عن قيس بن سعد، قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «المكر والخديعة في النار» .
لكنت من أمكر الناس.
فوليها قيس بن سعد إلى أن عزل عنها أربعة أشهر وخمسة أيام صرف لخمس خلون من رجب سنة سبع وثلاثين
صفحة ٢٠
الأشتر مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعيد بن مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج
ثم وليها الأشتر مالك بن الحارث النخعي من قبل أمير المؤمنين علي، فسار إليها حتى نزل القلزم مستهل رجب سنة سبع وثلاثين
فحدثني علي بن الحسن بن قديد، قال: حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم، قال: حدثني خالد بن نزار، عن سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، قال: كنت إذا أردت أن لا يمنعني علي شيئا، قلت: بحق جعفر.
فقلت له: أسألك بحق جعفر ألا بعثت الأشتر إلى مصر، فإن ظفرت فهو الذي تحب وإلا استرحت منه.
قال سفيان: وكان قد ثقل عليه وأبغضه وقلاه.
قال: فولاه وبعثه وبعث معه طيرين لي من العرب، فلما قدم قلزم مصر لقي بها بما يلقى به العمال هنالك، فشرب شربة عسل، فمات، فلما قدم طيراي أخبرني.
فدخلت على علي، فأخبرته، فقال: لليدين وللفم.
قال سفيان، عن عمرو بن دينار، أن عمرو بن العاص قال لما بلغه موته: «إن لله جنودا من العسل»
حدثنا حسن بن محمد المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، قال: وبعث علي مالكا الأشتر على مصر، فلما قدم القلزم، شرب شربة من عسل، فمات.
صفحة ٢١
فبلغ ذلك معاوية، وعمرا، فقال عمرو «إن لله جنودا من عسل» حدثني محمد بن موسى الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، عن عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بعث علي مالك الأشتر أميرا على مصر، فسار يريد مصر حتى نزل جسر القلزم، فصلى حين نزل من راحلته ودعا الله إن كان في دخوله مصر خيرا أن يدخله إياها وإلا لم يقض له بدخولها.
فشرب شربة من عسل، فمات، فبلغ عمرو بن العاص موته، فقال: «إن لله جنودا من العسل»
حدثنا علي بن سعيد، قال: حدثنا سالم بن جنادة، قال: حدثنا أحمد بن بشير، عن مالك بن مجالد، عن الشعبي، قال: لما بلغ عليا رضي الله عنه موت الأشتر، قال: «لليدين وللفم»
حدثنا موسى بن حسن بن موسى، قال: حدثنا ابن أبي بردة، قال: حدثنا نصر بن مزاحم، قال: وفي حديث عمر بن سعيد، عن فضيل بن حديج، عن إبراهيم بن يزيد، عن علقمة بن قيس، قال: دخلت على علي في نفر من النخع حين هلك الأشتر، فلما رآني، قال: «لله مالك، لو كان جبلا لكان من جبل فندا، ولو كان من حجر لكان صلدا مثل مالك، فلتبك البواكي، فهل موجود كمالك.
فوالله ما زال متلهفا عليه ومتأسفا حتى رأينا أنه المصب دوننا» .
وقالت سلمى أم الأسود بن الأسود النخعي ترثي مالكا:
نبا بي مضجعي ونبا وسادي ... وعيني ما تهم إلي رقادي
كأن الليل أوثق جانباه ... وأوسطه بأمراس شداد
أبعد الأشتر النخعي ترجو ... مكاثرة ويقطع بطن واد
أكر إذا الفورس محجمات ... وأضرب حين تختلف الهوادي
فقال المثنى يرثيه:
ألا ما لضوء الصبح أسود حالك ... وما للرواسي زعزعتها الدكادك
وما لهموم النفس شتى شئونها ... تظل تناجيها النجوم الشوابك
على مالك فليبك ذو الليث معولا ... إذا ذكرت في الفيلقين المعارك
صفحة ٢٢
إذا ابتدر الخطى وانتدب الملا ... وكان غياث القوم نصر مواشك إذا ابتدرت يوما قبائل مذحج ... ونودي بها أين المظفر مالك
فلهفي عليه حين تختلف القنا ... ويرعش للموت الرجال الصعالك
ولهفي على يوم دب له الردى ... وذيف له سم من الموت حانك
فلو بارزوه يوم يبغون هلكه ... لكانوا بإذن الله ميت وهالك
ولو مارسوه مارسوا ليث غابة ... له كالتي لا ترقد الليل فاتك
فقل لابن هند لو منيت بمالك ... وفي كفه ماضي الضريبة باتك
لألفيت هندا تشتكي علن الردى ... تنوح وتحبوها النساء العواتك.
واستخلف الأشتر على مصر حمام بن عامر اللخمي أبا الأكدر بن حمام، وكان الأكدر، وأبوه من شيعة علي، وحضر الدار جميعا
محمد بن أبي بكر الصديق بن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
صفحة ٢٣
ثم وليها محمد بن أبي بكر الصديق من قبل أمير المؤمنين علي، وجمع له صلاتها وخراجها، فدخلها للنصف من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، فجعل على شرطته عبد الله بن أبي حرملة البلوي، فذكر بعض أشياخ مصر: أن قيسا لقي محمد بن أبي بكر، فقال له: إنه لا يمنعني نصحي لك، ولأمير المؤمنين عزله إياي، ولقد عزلني من غير وهن ولا عجز، فاحفظ عني ما أوصيك به يدم صلاح حالك: دع معاوية بن حديج، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أبي أرطاة، ومن ضوى إليهم على ما هم عليه تكشفهم عن رأيهم، فإن أتوك ولم يفعلوا، فاقبلهم، وإن تخلفوا عليك، فلا تطلبهم، وانظر هذا الحي من مضر، فأنت أولى بهم مني، فألن لهم جناحك، وقرب عليهم مكانك، وارفع عنهم حجابك، وانظر هذا الحي من مدلج، فدعهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وأنزل الناس من بعد على قدر منازلهم، وإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذه لا ينقصك ولن تفعل إنك والله ما علمت لتظهر الخيلاء، وتحب الرياسة، وتسارع إلى ما هو ساقط عنك والله موفقك.
فعمل محمد بخلاف ما أوصاه قيس، فكتب إلى ابن حديج، والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته، فلم يحيوه، فبعث بأبي عمرو بن بذيل بن ورقاء الخزاعي إلى دور الخارجة، فهدمها، ونهب أموالهم، وسجن ذراريهم، فبلغهم ذلك، فنصبوا له الحرب وهموا بالنهوض إليه، فلما علم أنه لا قوة له بهم أمسك عنهم.
حدثنا الحسن بن محمد المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، قال: «فصالحهم محمد على أن يسيرهم إلى معاوية، وأن ينصب لهم جسرا بنقيوس يجوزون عليه ولا يدخلوا الفسطاط، ففعلوا ولحقوا بمعاوية»
وحدثني محمد بن موسى الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: «فبعث إلى ابن حديج حجر بن عدي الكندي بأمانة، وبعث محمد بن أبي بكر قيس بن سلامة التجيبي من بني فهم بن أداة، فصنع لهم جسرا بنقيوس، فجاز منه ابن حديج وأصحابه، فلحقوا بمعاوية»
صفحة ٢٤
وحدثنا حسن المديني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث، عن عبد الكريم بن الحارث، قال: " ولما أجمع علي، ومعاوية على الحكمين، أغفل علي أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر، فلما انصرف علي إلى العراق بعث معاوية عمرو بن العاص في جيوش إلى أهل الشام وإلى مصر، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقال عمرو: وشهدت ثمانية عشر زحفا براكاء فلم أر يوما مثل المسناة، ثم انهزم أهل مصر، فدخل عمرو بأهل الشام الفسطاط وتغيب محمد بن أبي بكر في غافق، فأواه رجل منهم، فأقبل معاوية بن حديج في رهط ممن يعينه على من كان مشى في عثمان، فطلب ابن أبي بكر، فوجدت أخت الرجل الغافقي الذي كان أواه كانت ضعيفة العقل، فقالت: أي شيء تلتمسون ابن أبي بكر أدلكم عليه ولا تقتلون أخي.
فدلتهم عليه، فقال: احفظوني في أبي بكر.
فقال معاوية بن حديج: قتلت من قومي ثمانين رجلا في عثمان وأتركك وأنت صاحبه.
فقتله ثم جعله في جيفة حمار ميت، فأحرقه بالنار "
حدثني محمد بن محمد موسى الحضرمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن عميرة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: " بعث معاوية عمرو بن العاص في سنة ثمان وثلاثين إلى مصر ومعه أهل دمشق، عليهم يزيد بن أسد البجلي، وعلى أهل فلسطين رجل من خثعم، ومعاوية بن حديج على الخارجة، وأبو الأعور السلمي على أهل الأردن، فساروا حتى قدموا مصر، فاقتتلوا بالمسناة، وعلى أهل مصر محمد بن أبي بكر، فهزم أهل مصر بعد قتل شديد في الفريقين جميعا، قال عمرو: وشهدت أربعة وعشرين زحفا فلم أر يوما كيوم المسناة ولم أر الأبطال إلا يومئذ، فلما هزم أهل مصر تغيب محمد بن أبي بكر، فأخبر معاوية بن حديج بمكانه، فمشى إليه، فقتله، وقال: يقتل كنانة بن بشر، ويترك محمد بن أبي بكر، وإنما أمرهما واحد.
ثم أمر به معاوية بن حديج فجر، فمر به على دار عمرو بن العاص لما يعلم من كراهيته لقتله، ثم أمر به بجاد التجيبي، فأحرقه في جيفة حمار "
صفحة ٢٥
وحدثنا ابن قديد، عن عبيد الله بن سعيد، عن أبيه، قال: " كان صاحب أمر الناس يوم المسناة قيس بن عدي بن خيمة اللخمي من راشدة، فلما انهزم أهل مصر عادوا بالحصن، فدخلوا فيه وجعلوا أمرهم إلى قيس وأغلقوا الحصن، فقيل لهم: إن هؤلاء قد استقتلوا ولن تصل إليهم حتى ينكوا من معك، فأعطاهم عمرو ما أحبوا، فخرجوا على صلح " حدثني أبو سلمة أسامة التجيبي، قال: حدثني زيد بن أبي زيد، عن أحمد بن يحيى بن وزير، عن إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: " بعث معاوية بن حديج بسليم مولاه إلى المدينة بشيرا بقتل محمد بن أبي بكر ومعه قميص ابن أبي بكر، فدخل به دار عثمان، واجتمع آل عثمان من رجال ونساء وأظهروا السرور بقتله وأمرت أم حبيبة ابنة أبي سفيان بكبش، فشوي وبعثت به إلى عائشة، فقالت: هكذا شوي أخوك.
قال «فلم تأكل عائشة شواء حتى لحقت بالله»
حدثني موسى بن حسن بن موسى، قال: حدثنا هارون بن أبي بردة، قال: حدثني نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف، قال: حدثني عبد الملك بن نوفل، عن أبيه، قال: «ما أكلت عائشة شواء بعد محمد حتى لحقت بالله»
حدثني موسى بن حسن، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثني أبي، عن رشدين، قال: حدثني سعيد بن يزيد القتباني، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، قال: حدثتني أمي هند بنت شمس الحضرمية: «أنها رأت نائلة امرأة عثمان تقبل رجل معاوية بن حديج، وتقول» بك أدركت ثأري من ابن الخثعمية ".
تعني: محمد بن أبي بكر
حدثنا علي بن سعيد، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي، قال: حدثنا هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن سعيد بن عبد الرحمن، «أن أسماء ابنة عميس لما جاءها خبر محمد بن أبي بكر أنه قتل وأحرق بالنار في جيفة حمار، قامت إلى مسجدها فجلست فيه وكظمت الغيظ حتى نشحت ثديها دما» .
وكانت وقعة المسناة في صفر سنة ثمان وثلاثين، فكانت ولاية محمد بن أبي بكر عليها خمسة أشهر، وكان مقتله بها لأربع عشرة خلت من صفر سنة ثمان وثلاثين
ولاية عمرو بن العاص الثانية
ثم وليها عمرو بن العاص ولايته الثانية
صفحة ٢٦
عليها من قبل معاوية استقبل بولايته شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين، وجعل إليه الصلاة والخراج جميعا، وكانت مصر جعلت له طعمة بعد عطاء جندها النفقة على مصلحتها، فجعل عمرو على شرطته خارجة بن حذافة بن غانم العدوي، ثم خرج عمرو للحكومة واستخلف على مصر ابنه عبد الله بن عمرو، ويقال: استخلف خارجة بن حذافة، ورجع عمرو إلى مصر فأقام بها وتعاقد بنو ملجم عبد الرحمن، وقيس ويزيد على قتل علي، ومعاوية، وعمرو، وتواعدوا لليلة من شهر رمضان سنة أربعين، فمضى كل واحد منهم إلى صاحبه، وكان يزيد هو صاحب عمرو وعرضت لعمرو تلك الليلة علة منعته من حضور المسجد فصلى خارجة بالناس، فشد عليه يزيد فضربه حتى قتله، فدخل به على عمرو، فقال له: أنا والله ما أردت غيرك يا عمرو.
قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة.
فجعل عمرو على شرطته بعد مقتل خارجة زكريا بن جهم بن قيس العبدري، وعقد عمرو بن العاص لشريك بن سمي الغطيفي على غزو لواتة من البربر، فغزاهم شريك في سنة أربعين، فصالحهم ثم انتقضوا بعد ذلك على عمرو بن العاص، فبعث إليهم عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري في سنة إحدى وأربعين، فغزاهم.
فحدثني علي بن قديد، عن عبيد الله بن سعيد بن عفير، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن هبيرة، قال: " كانت لواتة قد صولحوا، فكانوا على صولحوا حتى نقضوا زمن معاوية، فغزاهم عقبة بن نافع، فتنحوا ناحية أطرابلس، فقاتلهم عقبة حتى هزمهم، فسألوه أن يصالحهم ويعاهدهم، فأبى عليهم، وقال: " إنه ليس لمشرك عهد عندنا، إن الله عز وجل يقول في كتابه: {كيف يكون للمشركين عهد} [التوبة: 7] ، ولكن أبايعكم على أنكم توفوني وذابتي إن شئنا أقررنا وإن شئنا بعناكم «.
وعقد عمرو لعقبة بن نافع على غزو هوارة، ولشريك بن سمي على غزو لبدة، فغزواهما في سنة ثلاث وأربعين، فقفلا، وعمرو شديد الدنف في مرض موته»
صفحة ٢٧