Reality
والوجود
Being
على أن الفلسفة هي التناول المعرفي للحقيقة؛ حيث تكون موضوعا مفارقا للذات. أما اللاهوت فيثير نفس المشاكل التي تثيرها الفلسفة بشأن الحقيقة، لكن بأسلوب يجعلنا نعايش هذه المشاكل بوصفها متضمنة فينا ونابعة منا، لا منفصلة عنا مفارقة لنا كما تطرحها الفلسفة. الفلسفة تبحث في بنية الوجود، أما اللاهوت يعنى بمعنى الوجود بالنسبة للإنسان واهتمامه القصي. وعلى الرغم من هذا القدح المعلى للاهوت - خصوصا من الزاوية الوجودية - فإن المبحثين متداخلان؛ الفيلسوف يهتم بمعنى الوجود، واللاهوتي يبدأ ببنية الوجود.
4
اللاهوت والفلسفة أيضا رفاق سلاح، أو أن أداتهما واحدة هي العقل الأنطولوجي؛ ذلك أن تيليش يحلل العقل في حدود نمطين متقابلين له، هما العقل الأنطولوجي الذي نستخدمه في التحليلات الميتافيزيقية، والعقل التقني الذي نستخدمه في حل المشاكل العملية.
5
وفي عصرنا الأوتونومي يحتل العقل التقني قصب السبق، فأصبح الاهتمام فقط بالوسائل المؤدية إلى الأهداف الجزئية، وأهمل العقل الأنطولوجي؛ أهملت بنية العقل التي تمكننا من استكناه الحقيقة ومن تشكيلها. ولأن العقل الأنطولوجي هو مصدر القيمة والمعنى، فقد ضاعا من إنسان هذا العصر، ويغدو الدين هو الوسيلة الفعالة لرأب هذا الصدع؛ فهو الذي سيعرض علينا مباشرة وبحيوية جوهر العقل الأنطولوجي، ويعيده إلينا ويعيدنا إليه عودة حميمة معاشة؛ لأن جوهر العقل الأنطولوجي في ذات الهوية مع مضمون الوحي المنزل، وما هو أنطولوجي وما هو لاهوتي يتطابقان في نقطة واحدة؛ إذ إن كليهما يعالجان الوجود كما هو، وتيليش يتحدث عنهما بمصطلحات واحدة.
على هذا النحو نجد أن حال الحضارة المعاصرة، وتطوراتها، أو بالأحرى تردياتها، تجعلها في حاجة ملحة للدين، للوحي المسيحي كأساس ثقافي لها؛ أي لأن تصبح ثيونومية، هذه هي الأطروحة الرئيسية لتيليش، وكما نرى أيا كانت زاوية تفكيره، فإنها تحيلنا إليها. •••
ويبقى التأثير الكبير على فكر تيليش، للفلسفة المثالية الألمانية العتيدة؛ إنه ترعرع في أجوائها وتشبع بها، وامتلأ حماسا لها، وعانى من كارثة الحرب العالمية الأولى حين كرثت بها وبفلسفته المثالية الأثيرة، فلسفة شلنج. ثم إن المثالية الألمانية كانت دائما فلسفة الانشطار على العقل والعلم والعالم من أجل الحرية الإنسانية التي هي ضرورية لفكر تيليش، اللاهوتي والفلسفي على السواء؛ لذلك كان تفكير تيليش الذي يصطبغ بالصبغة الوجودية، هو أيضا تفكير مثالي، فقيل إن المثالية والوجودية تتنازعان عقليته، أو إنه يقف على الحدود بينهما، فحين يفكر في الله يفكر تفكيرا مثاليا، وحين يفكر في الإنسان يفكر تفكيرا وجوديا، وليس يوجد موضوع من موضوعات تفكيره لا يندرج بصورة أو بأخرى تحت لواء العلاقة بين الله والإنسان.
صفحة غير معروفة