11
وحاضر أيضا في جامعتي درسدن ولايبسج. وفي عام 1925م انتقل لتدريس اللاهوت في جامعة ماربورج؛ حيث زامل هيدجر وبولتمان، وبدأ في عمله الضخم «اللاهوت النسقي»، ولم يظهر الجزء الأول منه إلا عام 1951م، وفي عام 1929م قبل منصب أستاذ الفلسفة في جامعة فرانكفورت، وهي من أكثر جامعات ألمانيا حداثة وليبرالية، وليس بها كلية للاهوت، فحاول أن يتخذ من هذا فرصة لكي ينجز للفلسفة إنجازه للاهوت.
وحينما كان يدرس في الجامعات شارك بحماس في مناقشات نظامية كانت تدور من أجل فهم جديد للموقف الإنساني، فكتب ونشر فيما بين عامي 1919-1933م أكثر من مائة مقالة ودراسة حول هذا، مؤكدا أن الفهم الجديد للموقف الإنساني لا مندوحة له عن أن يكون دينيا ثيولوجيا؛ لتغدو الحضارة ثيونومية. إنها المنطلق لمجمل فكر تيليش، وإذا كان المعتمد أكاديميا أن هذا المنطلق هو «اللاهوت الحضاري» فإننا نرى المصطلحين اسمين لمسمى واحد هو علاقة تبادلية حميمة بين اللاهوت والوحي المنزل وبين الحضارة الإنسانية؛ لو نظرنا إلى هذه العلاقة من ناحية اللاهوت كان المشروع هو «اللاهوت الحضاري»، ولو نظرنا من ناحية الحضارة كان المشروع هو «الحضارة الثيونومية». وفي استيفائه لها، لم يهتم فقط بالمجالات الفعلية للحضارة كالفن والفلسفة والسياسة ... إلخ، بل اهتم أيضا بالأبعاد المعيارية؛ أي الأخلاق، فوضع تقابلا بين أخلاق الحضارة العلمانية فقط؛ أي الأوتونومية، وبين أخلاق الحضارة الثيونومية، مؤداه أن الأولى مشروطة وهي أخلاقيات السلطة والقانون والعدالة؛ أما الثانية فغير مشروطة وهي أخلاقيات المغامرة واللطف الإلهي
Grace
والحب.
12
وقد أردف هذا بمناقشة «التربية» في ضوء هذا الهدف - الحضارة الثيونومية. •••
ومن الناحية الأخرى، أو الجهة الأخرى للحدود، نجد أن تيليش ينتمي للبرجوازية الرفيعة، وأتاحت له مهنة والده - بوصفه الراعي الديني الكبير - أن يقيم علاقات شخصية وثيقة مع البرجوازية الرفيعة جدا - بقايا الأرستقراطية. ومع هذا نلقاه يتعاطف بشدة وإيجابية مع اليسار، مهتديا في هذا بأقوال المسيح ضد الظلم الاجتماعي وضد الأغنياء، وانضم عام 1918م للحركة الاشتراكية، وكان مناصرا للحزب الاشتراكي الديمقراطي. وتيليش شديد الإعجاب، بل متدله بماركس، ينسب إليه كل ما لذ وطاب من آيات التفلسف، بدءا من العلمية الصارمة، وانتهاء بالعنصر النبوئي وطابع الرسالة في فلسفته، ومرورا «بالوجودية» السياسية! مدعيا - مثلا - أن مفهوم الصدق عنده هو نفسه عند كيركجور، الصدق بالنسبة للوجود الإنساني، وما يخص موقف حياتنا ويقهر الاغتراب؛
13
ولكن لم يكن أبدا ماركسيا أو شيوعيا.
صفحة غير معروفة