مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم وتفسيره
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة ٣٤ العدد ١١٥
تصانيف
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ١فَالَّذِينَ آمنُوا هم الَّذين اتبعُوا الرهبانية ابْتِغَاء رضوَان الله، والفاسقون هم الخارجون عَن الدُّخُول فِيهَا بشرطها، إِذْ لم يُؤمنُوا برَسُول الله ﷺ.
إِلَّا أَن هَذَا التَّقْرِير يَقْتَضِي أَن الْمَشْرُوع لَهُم يُسمى ابتداعا، وَهُوَ خلاف مَا دلّ عَلَيْهِ حدّ الْبِدْعَة.
وَالْجَوَاب أَنه يُسمى بِدعَة من حَيْثُ أخلُّوا بِشَرْط الْمَشْرُوع، إِذْ شَرط عَلَيْهِم فَلم يقومُوا بِهِ، وَإِذا كَانَت الْعِبَادَة مَشْرُوطَة بِشَرْط، فَيعْمل بهَا دون شَرطهَا، لم تكن عبَادَة على وَجههَا، وَصَارَت بِدعَة، كالمخل قصدا بِشَرْط من شُرُوط الصَّلَاة، مثل اسْتِقْبَال الْقبْلَة، أَو الطَّهَارَة، أَو غَيرهَا، فَحَيْثُ عرف بذلك وَعلمه، فَلم يلتزمه، ودأب على الصَّلَاة دون شَرطهَا، فَذَلِك الْعَمَل من قبيل الْبدع، فَيكون ترهب النَّصَارَى صَحِيحا قبل بعث مُحَمَّد رَسُول الله ﷺ، فَلَمَّا بُعِث وَجب الرُّجُوع عَن ذَلِك كُله إِلَى مِلَّته، فالبقاء عَلَيْهِ مَعَ نسخه بقاءٌ على مَا هُوَ بَاطِل بِالشَّرْعِ، وَهُوَ عين الْبِدْعَة.
وَإِذا بنينَا على أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، وَهُوَ قَول فريق من الْمُفَسّرين، فَالْمَعْنى: مَا كتبناها عَلَيْهِم أصلا، وَلَكنهُمْ ابتدعوها ابْتِغَاء رضوَان الله، فَلم يعملوا بهَا بشرطها، وَهُوَ الْإِيمَان برَسُول الله ﷺ إِذْ بعث إِلَى النَّاس كَافَّة.
وَإِنَّمَا سميت بِدعَة على هَذَا الْوَجْه لأمرين:
أَحدهمَا: يرجع إِلَى أَنَّهَا بِدعَة حَقِيقِيَّة٢ - كَمَا تقدم - لِأَنَّهَا دَاخِلَة تَحت حد الْبِدْعَة.
١ - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: ٢٧. ٢ - الْبِدْعَة الْحَقِيقِيَّة هِيَ الَّتِي لم يدل عَلَيْهَا دَلِيل شَرْعِي، لَا من كتاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع. انْظُر الْبِدْعَة ضوابطها وأثرها السيء فِي الْأمة. ص (١٤) .
1 / 100