مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم وتفسيره
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة ٣٤ العدد ١١٥
تصانيف
إِلَى قَوْله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ١ الْآيَة"٢.
وَقد أَطَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي تتبع آيَات سُورَة الْبَقَرَة، وتنزيلها على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة٣، ثمَّ أورد بعض آيَات سُورَة الْأَنْعَام، وبيّن كَيفَ تنطبق على الْقَاعِدَة٤.
ثمَّ قَالَ: "وَقد يغلب أحد الطَّرفَيْنِ بِحَسب المواطن ومقتضيات الْأَحْوَال، فَيرد التخويف ويتسع مجاله، لكنه لَا يَخْلُو من الترجية كَمَا فِي سُورَة الْأَنْعَام، فَإِنَّهَا جَاءَت مقررة للحق، ومنكرة على من كفر بِاللَّه، واخترع من تِلْقَاء نَفسه مَا لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ، وَصد عَن سَبيله، وَأنكر مَا لَا يُنكر، ولدَّ فِيهِ وَخَاصم، وَهَذَا الْمَعْنى يَقْتَضِي تَأْكِيد التخويف، وإطالة التأنيب والتعنيف، فكثرت مقدماته ولواحقه، وَلم يخل مَعَ ذَلِك من طرف الترجية؛ لأَنهم بذلك مدعوون إِلَى الْحق، وَقد تقدم الدُّعَاء وَإِنَّمَا هُوَ مزِيد تكْرَار، إعذارًا وإنذارًا، ومواطن الاغترار يطْلب فِيهَا التخويف أَكثر من طلب الترجية؛ لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد آكِد.
وَترد الترجية أَيْضا ويتسع مجالها، وَذَلِكَ فِي مَوَاطِن الْقنُوط ومظنته، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ ٥ الْآيَة فَإِن نَاسا من أهل الشّرك كَانُوا قد قتلوا وَأَكْثرُوا، وزنوا وَأَكْثرُوا فَأتوا مُحَمَّدًا ﷺ فَقَالُوا: إِن الَّذِي
_________
١ - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: ٢٤، ٢٥.
٢ - الموافقات (٤/١٦٧) .
٣ - انْظُر الْمصدر نَفسه (٤/١٦٧، ١٦٨) .
٤ - انْظُر الْمصدر نَفسه (٤/١٦٩) .
٥ - سُورَة الزمر، الْآيَة: ٥٣.
1 / 49