وكان الإفرنسيون قد قضوا على مؤسسات البلدية القديمة العهد، ولما عادت الأمور إلى مجاريها بعد مؤتمر فينا قضى الوزير الأول على ما بقي منها، وكان في الناحيات هياكل وحكومات، ويشرف الحاكم في الإيالة على الشرطة ويدير شئون العدل وهو فعال لما يريد في الناحيات، يتجاوز كل قيد في سبيل مراضاة آمره الكهنوتي.
وكانت القوانين عبارة عن مجلد ضخم من الأوامر والمراسيم التي لا تناسب بينها، والتي صدرت في جميع الأدوار فأكل عليها الدهر وشرب، ولقد احتفظ بقانون التجارة الإفرنسي وأريد بعد مدة وضع قانون مدني على غرار قانون نابليون، إلا أنه كان يحتوي كثيرا من المساوئ القديمة كمنعه الطلاق وحرمانه النساء من الإرث وإبطاله الوصيات التي لا تحتوي هبة للكنيسة.
وكان مجلس البابا القدسي يستطيع أن يلغي أحكام جميع القوانين، وكانت أصول المحاكمة تستمد أحكامها من قوانين الكنيسة؛ فلذلك كان للراهب صبغة مقدسة فلا يحاكم إلا أمام محاكم مؤلفة من رجال الدين، وكانت العقوبة التي يعاقب بها أخف من عقوبة الرجل العلماني. وأما المحكومون السياسيون فكانوا يسجنون في محلات سافلة، ويزجون مع المجرمين الآخرين، أو يقيدون بالسلاسل ويقضون حياتهم في غيابات الجب.
وكانت الشرطة عاتية كل العتو؛ فهي تستطيع أن تسجن الشخص أو تنفيه أو تراقبه أو ترفض إعطاءه جواز السفر، وتفرض عليه الإقامة في المحل الذي تختاره له وتحرمه من الحقوق المدنية، وقد تحرمه من عمله وتمنعه من حمل السلاح أو من الخروج ليلا من داره، وتفتح الرسائل في دائرة البريد، وتخترق حرمة مسكنه وتفتش أوراقه، كما أنها تستطيع أن تغلق المخازن والمقاهي والفنادق وتضع الجزاء النقدي كما تشاء، وكان التجسس عاما والناس يوقفون بمجرد رغبة راهب القرية.
وبينما كان مجلس التفتيش يضطر الشعب إلى الظهور بمظهر واحد كانت الحكومة تسعى لمحو الإلحاد والشغب بشل التعليم، وكان مما يسند إليها أنها تتساهل في القضاء على الرذيلة وتضطهد الفكر الحر، وكان أحد أسياد الكنيسة لا يتورع عن القول: «تسهل جدا إدارة الشعب الجاهل.»
وكان رجال الإكليروس يحتكرون التعليم، فأفسدته أنظمتهم الصارمة، وكان لا يستطيع أحد أن يعلم من دون مساعدة الأسقف، وسيطر اليسوعيون على التعليم الثانوي، أما رهبان الإيغنورانتينه
Ignorantine
الذين لا يحبهم الشعب فألفوا الهيئات التعليمية في كثير من المدارس الأولية، فكان أكثر الأساتذة في الجامعات من رجال الكهنوت، ولم تبذل أية عناية لتعميم التعليم الابتدائي بين الشعب، حتى إن البنات حرمن من التعليم الابتدائي حرمانا كليا، وكان الرأي العام ينقم على كل من يعلم بناته، ويقدر عدد الذين يؤمون المدارس باثنين في المئة، أما في روما فترفع هذه النسبة إلى عشرة بالمئة.
وقد كان طلاب المدارس الثانوية يحملون على حشد أدمغتهم بدراسة الصرف والنحو اللاتيني، وبدراسة ما وراء الطبيعة القديمة مما يفسد قرائحهم، على أن هذا التعليم الناقص لم يحل دون كثرة الجامعات، فهناك جامعتان كبيرتان في روما وبولونيه وجامعات فرعية أخرى في «بيرونه وفراره وكمبيرينو ومسبراتو وفرمو».
وعلى الرغم من أن هذه الجامعات لا تدرس فيها الآداب الحديثة والاقتصاد السياسي وما شابه ذلك من المواضيع؛ فإن الحكومة كانت في قلق مستمر من أن تكون هذه الجامعات مباءة للحرية، وقد منع اليسوعيون دراسة دانتي في مدارسهم، وحين تأسيس بعض المعاهد الخاصة لدراسة المؤلفات الاقتصادية؛ ما أسرع ما منعت من ذلك، وبلغ تقيد التعليم حدا منع معه أحد الرقباء تلاوة أشعار نظمت عن الزلزال.
صفحة غير معروفة