107

ورثة الأنبياء

الناشر

دار القاسم

تصانيف

فقال: إن الله أعزكم بالإسلام، فمهما طلبتم العز في غيره أذلكم. والمعنى: ينبغي أن يكون طلبكم العز بالدين لا بصور الأفعال، وإن كانت الصور تلاحظ؛ فإن الإنسان يخلو في بيته عريانًا، فإذا خرج إلى الناس لبس ثوبين وعمامة ورداء. ومثل هذا لا يكون تصنعًا ولا ينسب إلى كبر. وقد كان مالك بن أنس يغتسل ويتطيب ويقعد للحديث. ولا تلتفت يا هذا إلى ما ترى من بذل العلماء على أبواب السلاطين، فإن العزلة أصون للعالم والعلم، وما يخسره العلماء في ذلك أضعاف ما يربحونه. وقد كان سيد الفقهاء سعيد بن المسيب لا يغشى الولاة، وعن قول هذا سكتوا عنه، وهذا فعل الحازم. فإن أردت اللذة والراحة فعليك أيها العالم بقعر بيتك، وكن معتزلًا عن أهلك يطب لك عيشك، واجعل للقاء الأهل وقتًا، فإذا عرفوه تصنعوا للقائك، فكانت المعاشرة بذلك أجود. وليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه، وتحادث سطور كتبك، وتجري في حلبات فكرك. واحترس من لقاء الخلق وخصوصًا العوام. واجتهد في كسب يعفك عن الطمع، فهذه نهاية لذة العالم في الدنيا. وقد قيل لابن المبارك: ما لك لا تجالسنا؟ فقال: أنا أذهب فأجالس الصحابة والتابعين، وأشار بذلك إلى أنه ينظر في كتبه. ومتى رزق العالم الغني عن الناس والخلوة، فإن كان له فهم يجلب

1 / 110