============================================================
الوحيد في سلوك أهل التوحيد فرحماك يا ركي بما أنت أهله فقد حار فيما قد أتيت به أمري وقد يكون بين الشكر والحمد والثناء فرقان بحسب كل واحد، وإن كان المشكور والمحمود والمثني عليه واحد، فإن الشكر في العرف قد يكون على استدامة النعم والعطاء، والحمد قد يكون على النعم والبلاء وما نزل من القضاء، فيقع الفرقان ما بين التعارف والعرفان: العمد على ال لاى والحامدون على النعم كثير، والحامدون على البلاء قليل، وقد تقدم ذكر من حصل له البلاء رحمه الله تعالى، وبلغني أن فقيرأ أتى ابن أبي المنا بقنا فسأله شيئا فأعطاه دينارا فقال الحمد لله، فأعطاه آخر فقال الحمد لله، فأعطاه آخر فكلما حمد الله تعالى أعطاه دينارا حتى وصل تسعة عشر دينارا فدعا له، فأمسك عنه وقال له لو حمدت الله تعالى لم أبق معي شيئا حتى أعطيه لك.
:: والثناء قد يكون على جميل الصفات في نفسها وإن لم يلزم منها، فلذلك وقع الفرقان، فإنك تثني على الكريم من الناس وإن لم تعرفه ولا وصل إليك كرمه، وتثني على جميل الصورة -كجحمال السيد يوسف التليهل وغيره من ذوي مكارم الأخلاق وإن كانوا في غير زمانك- فقد بحد في ذلك فرقا ما بينه وبين الوصف الآخر وقد قيل: وإني امرؤ حييثكم لمكارع سمعث ها والأذن كالعين تعشق والأوصاف الجميلة محمودة محبوبة بالضرورة من غير معرفة دليل؛ إذ الخصائص الإهية والأدوات الوجدانية تشهد لأنفسها والدليل لها يحجبها، فإنك إذا اردت أن تعرف جذب المغناطيس الجديد وأردت آن تقيم الدليل عليه لتوضحه فقد زدته حجابا، وهو أوضح من دليله، وكذلك حلاوة العسل ومرارة الصبر، فشكر الله تعالى والثناء عليه والحمد له لا ينتهي العبد فيه إلا إلى العجز والحيرة وهو حده من المعرفة بتلك الأوصاف.
وقد قلت: تحيرث لا علم عليك يدلي ولا عمل يجدي ولا نية تكفي
صفحة ٦٤