ووقفت عند النيل ترنو للمياه الساحرة،
يحنو عليك الشط ترعاك النخيل الآسرة،
فامرح بأحياء السكارى والخبايا الكاسرة،
واجرع رحيق الفن في زق الرحيق الطاهرة!
عش يومها هونا وصاحب ليلها هونا ولكن،
يا صديقي إن حنا برد المساء احذر بنات القاهرة!
وضحكنا! كانت النغمة هازلة، ولكن التجربة التي أود تسجيلها هي أن المؤلف له أن يقول ما يشاء؛ إذ سرعان ما قال الحردلو: «أنا أستطيع تغيير الكثير في هذا الشعر حتى أرتفع بمستواه وأكسبه نغمة جادة!» وبدأ يعترض على كلمة «الكاسرة» وقال إنها أليق بزق الرحيق ، وعلى كلمة «الساحرة» لأنها «كليشيه» مؤكدا أن هذا هو ما علمته له أنا في دروس النقد التطبيقي، وعلى كلمة «الآسرة» ... فقلت له: «أنت تعترض على كلمات القافية كلها؟» فقال «وعلى البيتين الأخيرين اللذين لا أول لهما ولا آخر!» وضحك سمير سرحان جدا وقال: «مش كفاية على عناني مراجعة الترجمة؟ ناقص له كمان مراجع شعر؟» وفجأة أحسست بجدية الموضوع! إننا نكتب ما نريد ونغير ما نريد، ثم يأتي مترجم كتبت له الأقدار أن يترجم هذا إلى لغة أخرى فيتفانى في البحث عن المقابل الدقيق وإن لم يجده فالويل والثبور، وعظائم الأمور! وبدأت أتأمل معنى ما كتبت: ما معنى «يحنو» و«حنا»؟ وما معنى «هونا»؟ وسمعت الحردلو يقول (ويبدو أنه كان يتكلم دون أن أعي تماما ما يقول): إيه دي أحياء السكارى؟ فضحكت وقلت: أحياء الحيارى؟ فقال لا: أنت تقصد أهل الفن! فقال سمير: يقصد «أوكار السكارى!» وضحكنا! كان كل شيء قابلا للتغيير، والنص حتى لو نشر سيظل «مشروع نص» ولن يصبح مقدسا إلا عندما يكلف مترجم بترجمته!
وقال الحردلو: ولماذا أحذر بنات القاهرة؟ فقلت له: هذا ما يأتي في فقرات تالية؛ إذ أقول:
فالبنت في بولاق عند السوق عود من قصب،
سمراء فارعة تظللها نواص من ذهب،
صفحة غير معروفة