قال الشيخ مجد الدين الشيرازي في تاريخه: من الحوادث بالمسجد الشريف ما نقله جماعة من مشايخ المدينة وعلمائها أن السلطان الملك السعيد نور الدين الشهيد محمود بن زنكي لما كان في عام سبع وخمسين وخمسماية رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات المنام في النوم في ليلة واحدة وهو يقول له في كل مرة: (يا محمود أنقذني من هذين الشخصين أشقيرين تجاهه)، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر قد حدث في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل ومعه ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه فزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع فقال له الوزير: أتعرف الشخصين؟ قال: نعم وطلب الناس عامة للصدقة وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة وقال: لا يبقين بالمدينة أحد إلا جاء فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي تلي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعرف اليوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئا.
فجد في طلبهما فجيء بهما فلما رآهما قال للوزير: هما هذان.
فسألهما وما جاء بهما فقالا لمجاورة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اصدقاني وتكرر السؤال حتى أفضى إلى عقوبتهما فأقرا أنهما من النصارى وأنهما وصلا لكي ينقلا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحجرة الشريفة المقدسة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا نفقا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها إلى الشام. انتهى.
وذكر العلامة جمال الدين المطري القصة على نحو ما تقدم والظاهر أن ذلك مستنده الشيرازي فقال: أن وصول السلطان الملك العادل نور الدين إلى المدينة المشرفة كان في السنة المتقدم ذكرها بسبب رؤيا رآها بعض الناس وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عن من حدثه من أكابر من أدرك من أشياخ الحرم وذكر القضية كما تقدم وأن السلطان نور الدين لما ركب متوجها إلى الشام وكان الناس قد كثروا بالمدينة الشريفة خارج السور الذي بناه الجواد الأصفهاني في حول المسجد فصاح بالسلطان من كان نازلا خارج السور واستغاثوا وطلبوا أن يبني عليهم سورا يحفظ أبناءهم وما شيتهم فأمر ببناء هذا السور المجدد اليوم فبنى سنة ثمان وخمسين وخمسماية وكتب اسمه على باب البقيع وفيه ذكر التاريخ المذكور وقد ذكر القصة أيضا العلامة زين الدين بن المراغي في تاريخه نقلا عن العلامة جمال الدين المطري.
صفحة ١٢٨