ولكن ماذا نصنع الآن في هذا الفصل؟ •••
أما أن نجتزئ ببعض الآراء التي وصلتنا، مبدلين فيها، رغبة في أن نوائم بينها وبين آرائنا الخاصة فهذا محال؛ لأن منهجين متباينين من مناهج البحث لا سبيل إلى التقائهما والتوفيق بينهما، هذا فضلا عن عقم هذه الطريقة التي لا غناء فيها، فليس ثم أية فائدة من تعرف جزء من الحقيقة.
لذلك أعملت الفكر فلم أجد إلا مخرجا واحدا من هذا المأزق، هو أن أتبع الفكرة المقررة، مقتصرا على سردها وذكر ما وصل إليه الباحثون من النتائج في هذا الصدد. لا سيما «سبرنجر» أقرب الباحثين وأوفاهم درسا، واستيعابا للتاريخ الإسلامي وترجمة النبي.
على أنني جدير أن أقرر - من الآن - بأسلوب صريح لا يحتمل لبسا ولا تأويلا أنني إن استطعت بهذه الطريقة أن أرفع عن عاتقي عبء المسئولية والمؤاخذة بما أقرره في هذا الفصل من وصف الحال الدينية التي كان عليها العرب في القرن السادس الميلادي، فلن يكون ذلك شأني فيما أقرره في بقية الفصول.
دفعتني هذه الاعتبارات السابقة كما دفعني غيرها من الأسباب التي لا يصعب على القارئ فهمها، إلى الاقتصار على ذكر ذلك الزمن السابق بأقصى ما في قدرتي من الإيجاز الذي التزمته في تبيان ديانة العرب الأولى ونشأتها في بلادهم، فلم أحد عن هذا الشرط قيد أنملة. (3) ديانة العرب الأولى
كان العرب يؤمنون بكائن أعلى - هو الله تعالى - ويعتقدون أن له ذاتا كذواتهم، وأنه محيط بالعالم وما يحويه من كائنات - هو بارئها - وإن اختلفت حظوظها من الطاعة والعصيان، وكانوا يدينون بأنه خالق السموات والأرض
5
وأنه الذات المنزهة التي لا حد لحكمتها، ولا يمارون في أنه مدبر العالم، وأنه هو الذي يرسل عليهم المطر من السماء.
6
كانوا يعتقدون هذا، ويعتقدون أيضا أن ليس له كهان ولا هياكل، كتلك التي خصوا بها أوثانهم. (4) العرب والجن
صفحة غير معروفة