ففي الموقف الأول: يعرفنا به سارقا منتحلا بيتا من الشعر.
وفي الموقف الثاني: يقدمه لنا هاجيا في غير موقف هجاء؛ ليثبت أبو الفرج - في نفس الصفحة - رثاء البحتري لسليمان بن وهب الذي جود فيه - كما يقول أبو الفرج - ثم يتبع ثناءه على البحتري بإطرائه إبراهيم بن العباس، والإشادة بذكره!
فإذا لم يكن ذلك إغفالا فهو عندنا شر من الإغفال، وإذا لم يكن أبو الفرج الأريب الفطن الراوية قد تعمد الإساءة إلى ابن الرومي فكيف يكون تعمد الإساءة بعد ذلك؟ •••
لم يكن ابن الرومي خاملا في عصره حتى يقتصر أبو الفرج على رواية أربعة أبيات من شعره في هذه الموسوعة الضخمة، وقد زعم بعض الأدباء أنه كان خاملا وهو وهم يفنده الواقع، فلم يكن ابن الرومي خاملا - لا في عصره ولا بعده - ولكنه كان مكروها من الناس؛ لإفحاشه في الهجاء حتى لم يكد يسلم من لسانه إنسان له خطر!
4
فإذا قال قائل: «ولماذا نوه أبو الفرج بدعبل وذكر كثيرا من أخباره وهو كابن الرومي في سلاطة اللسان والإقذاع في الهجاء؟»
قلنا: إن عصر دعبل قد تقدم عصر ابن الرومي بقليل وقد مات من أساء إليهم دعبل وقل حقد الناس عليه، فلم يبق هناك بأس من الإشادة بذكره والتنويه بفضله.
أما ابن الرومي فقد أساء إلى أعيان الدولة، وكبار رجالها، كما أساء إلى شيوخ الأدب وزعماء الشعر، ولم تزل إساءته - إلى زمن أبي الفرج - عالقة بالأذهان. ولا زال بعض من أفحش ابن الرومي في هجائهم عائشا في زمن أبي الفرج، وربما كان من بينهم أقاربه، وأصدقاؤه، ولقد كان أبو الفرج من المتشيعين، وكان ابن الرومي متهما بالتشيع، ولم تكن هذه الصلة شفيعا له عنده ولا سببا يدعوه إلى التنويه بذكره. (1) هجاء البحتري والأخفش
ولقد هجا ابن الرومي البحتري الشاعر هجاء مقذعا وأفرط في شتمه، وكان للبحتري مكانة بين أعيان الدولة، وكبار رجالها - حتى بعد موته - وقد رأيت أن أبا الفرج كان يحبه ويشيد بذكره ويعنى بآثاره ... ولا يتسع هذا المقام الضيق للإسهاب في ذلك وشرح الأسباب التي دعت إليه، فلنجتزئ بقوله في هجائه من قصيدة:
قد قلت إذ نحلوه الشعر: حاش له
صفحة غير معروفة