وحينئذ فلا بد عند الشك من الرجوع إلى الأصل العملي وهو هنا البراءة ؛ إذ الشك في التعبدية والتوصلية على ما ذكرنا راجع إلى الشك في ثبوت أمر آخر متعلق بالمقيد بداعي الأمر بعد الأمر بذات الفعل وعدمه ، فالشك واقع في أصل التكليف والمرجع فيه البراءة.
وأما على ما قيل من لزوم تعلق الطلب على تقدير التعبدية بذات الفعل مع أخصية الغرض فقد يقال كما يظهر من كلمات شيخنا المرتضى قدسسره بعدم جواز التمسك بإطلاق اللفظ لرفع القيد المشكوك ، وكذلك لا يمكن إجراء أصالة البراءة فيه ، بل المقام مما يحكم العقل بالاشتغال وإن قلنا بالبراءة في دوران الأمر بين المطلق والمقيد.
أما الأول فلأن رفع القيد بأصالة الإطلاق إنما يكون لو احتملنا دخول القيد في المطلوب ، والمفروض عدم هذا الاحتمال والقطع بعدم اعتباره فيه أصلا ، وإنما الشك في أن الغرض هل هو مساو للمطلوب أو أخص منه ، وحدود المطلوب معلومة لا شك فيها على أى حال.
وأما الثاني فلأنه بعد العلم بتمام المطلوب في مرحلة الثبوت لو شك في سقوطه بإتيان ذاته وعدم سقوطه بواسطة بقاء الغرض المحدث للأمر لا مجال إلا للاحتياط ؛ لأن اشتغال الذمة بالأمر الثابت المعلوم متعلقه يقتضي القطع بالبراءة عنه ، ولا يكون ذلك إلا بإتيان جميع ما يحتمل دخله في الغرض.
ومما ذكر يعرف الفرق بين المقام وسائر الموارد التي شك في مدخلية قيد في المطلوب ، ويمحض الفرق أن الشك فيه راجع إلى مرحلة الثبوت وفي المقام الى السقوط. هذا ، والحق عدم التفاوت بين المقام وسائر الموارد مطلقا أعني من جهة الأخذ بالإطلاق ومن جهة إجراء أصالة البراءة.
أما الأول فلأن القيد المذكور وإن لم يحتمل دخله في المطلوب لعدم الإمكان ولكن لو فرضنا وجود مقدمات الأخذ بالإطلاق التي من جملتها كون المتكلم في مقام بيان تمام المقصود وما يحصل به غرضه نحكم بعدم مدخلية شيء آخر في تحقق
صفحة ٩٦