ومن جهة ثالثة وهذا المهم فهمه إن ما علم الله أنه سيقع، فلا شك في وقوعه؛ ولكن لا يعني هذا الجبر. بل الجبر هو أن ننفي أن يكون للعبد القدرة المؤثرة قبل صدور الفعل، وأن ننفي أن يكون له إرادة بها يرجح العبد الفعل. فإذا علم الله تعالى أنني سأعمل عملا ما؛ فإنني مع هذا قادر على أن أفعل خلاف ما علمه الله تعالى. ولا شك في أنني لن أعمل خلاف ما علم الله تعالى، ولكن ما سأعمله سيكون صادرا مني عن اختيار، وسأكون حال القيام به قادرا على القيام بضده.
ولكي نفهم هذه الفقرة الأخيرة لا بد لنا من أن نميز بدقة بين قدرتنا على فعل أمر من الأمور، وبين كوننا سنعمل هذا المقدور. فنحن حينما نقوم بأمر من الأمور، فإننا قادرون في نفس ذلك الحين في على فعل أمر آخر. وكوننا لم نعمل أمرا من الأمور، لا يعني بالضرورة أننا عاجزون عن ذلك الأمر. ولا يلزم من كوننا نقدر على أمر من الأمور أننا سنقوم به؛ فنحن نقدر على عشرات من الأمور، ولكن لا نختار إلا أمرا واحدا منها. وهكذا لا منافاة بين كون الله يعلم بما سأقوم به، وبين كوني قادرا على فعل خلاف ما قد علم الله. وليس في هذا أي نفي لعلم الله بالغيب، لأننا نقول إن أعمال الإنسان لا تخالف ما قد علمه الله تعالى.
شبهة ثانية: قالوا إن العبد مختار لأن له إرادة بها يرجح بين فعلين، ولكن هذه الإرادة مخلوقة لله تعالى؛ ثم إن ترجيح الفعل ذاته هو أيضا مخلوق لله تعالى؟!!
وهذه لا تحتاج إلا إلى تأمل من القارئ اللبيب. وقد أشرت إلى شيء من ذلك فيما سبق.
صفحة ٩٠