ولقد أخطأ من قال بأن تلك القضايا لا تعلم إلا من الشرع؛ لأن الشرع لا يثبت إلا إذا ثبتت تلك القضايا، وإنكارها يؤدي إلى إنكار الشرع من أصله.
فلا يمكن أن نثبت، حقا، صدق نبوة الأنبياء إلا إذا أثبتنا أن الله تعالى لا يفعل القبيح. ولا يمكن أن نثبت أن الله تعالى لا يفعل القبيح، إلا إذا كنا قادرين على إدراك القبيح. وتفصيل المسألة سيأتي عند الكلام على أفعال الله جل جلاله.
الرابعة: تسمى تلك القبائح بالقبائح العقلية، كما تسمى تلك الأفعال الحسنة بالواجبات العقلية.
الخامسة: كل ما حرمه الشرع من الأمور، يعود بوجه أو بآخر إلى واحد أو أكثر من هذه القبائح الخمسة.
توضيحه: إن كل ما حرمه الله تعالى يمكن لنا أن نصنفه كما يلي:
ترك طاعة نحو ترك الصلاة.
فعل منهي عنه، نحو: أكل الربا، وشرب الخمر.
نسبة القبيح إلى الله، أو إلى أحد أوليائه، نحو: التجسيم، والجبر، والشرك.
الكذب على الله، أو على أنبيائه، أو على خلقه.
وإذا تأمل الفرد يمكنه أن يجد في أي صنف من هذه الأصناف وجه أو أكثر من القبائح العقلية.
فالمعصية بفعل المنهي عنه، وترك الطاعة، ونسبة القبيح إلى الله، والكذب على الله، ورسله تقبح لأنها كفران للنعمة. فالله تعالى قد أحسن إلينا كثيرا، وأقل ما يتوقع منا هو مقابلة نعمه بالالتزام بما أراد منا.
ونسبة القبيح إلى الله أيضا تقبح من حيث إنها اعتقاد جهل.
والكذب على الله يقبح من حيث إنه كذب.
آخيرا، إن المعاصي جميعا ليس من ورائها إلا الفساد؛ فهي، إذن، عبث، لا مصلحة من ورائها.
أيضا فإن كل ما أمرنا به الشرع، يعود إلى الواجبات العقلية الخمسة: التي هي العدل، والصدق، والعلم، والشكر، وفعل ما فيه الصلاح.
صفحة ٣٧