بل إن الإنسان لا يجد نفسه حقيقة إلا إذا خضع واستسلم لله تعالى؛ لأن حقيقة الإنسان هي المملوكية الكاملة لله تعالى، ولا يمكن أن ننفك عنها مهما كان. وليست مملوكيتنا له تعالى كمملوكيتنا لغيره، أو مملوكية غيرنا لنا، فتلك تنفك وتتغير وتتبدل. فقد يملك الإنسان بيتا يوما من الأيام، ثم تزول عنه ملكيته يوما آخر. وقد يكون عبدا عند فلان، ثم يموت سيده، فيكون عبدا عند غيره. وهكذا كل أشكال المملوكية بين الخلق لا ثبات لها ولا استقرار. أما مملوكيتنا لله تعالى، فهذه لا تنفك عن وجودنا. وأقرب مثل لها هو الزوجية والفردية في الأعداد. فالرقم اثنين عدد زوجي، ومفهوم الرقم اثنين غير مفهوم الزوجية؛ ولكن يستحيل أن تتصور الإثنين بغير كونها زوجا. ومثله أي عدد مفرد. وهكذا وجودنا لا ينفك عن مملوكيتنا الشاملة لله جل جلاله.
2. ثم لما يرى أن لا طريق إلا إلى الله في رفع الحاجات، وإجابة الطلبات، فسيكون هناك الشعور بالفقر إليه، وإنزال الحاجة لديه، والتوكل عليه، والدعاء له.
3. فإذا رأى بعد ذلك رعاية الله تعالى لنا، المتجلية في ما خلق لنا من نعم نتقلب فيها، ومن عقول نتميز بها عن ما سوانا؛ ثم بعد ذلك حرصه تعالى على نفعنا، وإرساله الرسل بعد الرسل ليدعونا إلى رحمته؛ ثم ما وعدنا من جنات أبدية، عرضها السموات والأرض، مقابل القليل من طاعته؛ وكل ذلك وهو غني عنا، ولا نفع له منا؛ لا شك أنه سيحب الله جل جلاله ويشكره.
صفحة ١٩