صور اللطف
أما صور اللطف فهي متعددة. فقد تكون بأن يقذف الله تعالى في قلب العبد خواطر خير؛ وقد تكون بأن ينزل الله بالعبد بلاءا يكون داعيا إلى التوبة؛ وقد يكون بأن يري الله عبدا من عبيده آية؛ وقد يكون بأن يوفق الله عبدا لحضور مجلس وعظ أو للقاء بواعظ... إلخ.
ونحن لا نعلم ما هو الذي يعمله الله تعالى، كما لا نعلم كيف يفعله الله؛ ولكن نقطع بأنه لا يدعنا هملا. فسبحانه من إله ما أكرمه: يتودد إلينا كأنه هو المحتاج لنا.
نسأله تعالى المغفرة على التقصير، والثبات على الأمر.
شرط اللطف
ولكن يجب أن نعلم أنه تعالى لا يفعل اللطف إلا بمن علم منه أنه سيستفيد من اللطف. فاللطف غير التمكين على الفعل؛ إذ إن التمكين قائم دائما، سواء انتفع بها العباد أم لا. وبوجود التمكين يكون العبد مؤاخذا على أفعاله. ولا يصح أصلا التكليف بغير اللطف؛ لكي لا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة. أما اللطف فهو أمر زائد على التمكين. هو تسهيل العمل بالطاعة، والبعد عن المعصية. لذا فإن الله لا يسهل إلا لمن علم الله منه الرغبة في الطاعة وترك المعصية. أي إنه تعالى لا يلطف إلا لمن سبقت منه الرغبة في الطاعة.
ولما كان التكليف فيه اختبار وتمحيص { خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ؛ فإن اللطف لا يصل إلى الحد الذي به يذهب معنى الابتلاء والاختبار. فالله حكم علينا بالتكليف، وابتلانا بما نحب ونهوى، ثم أعان من أراد منا، ما أراده الله له. والنتيجة أن التكليف لا يخلو من الابتلاء، كما لا يخلو من العون، والله تعالى أعلم، وهو الهادي إلى رضاه.
صفحة ٩٢