أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام

بطرس البستاني ت. 1300 هجري
138

أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام

تصانيف

من هداه سبل الخير اهتدى

ناعم البال ومن شاء أضل

فمثل هذا الشعر - إذ صح - لا يقوله إلا شاعر عرف الإسلام، وتأثر بالقرآن.

وزعم ابن قتيبة وغيره: أن الحارث الأعرج الغساني وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فارس وأمر عليهم لبيدا، فساروا إلى عسكر المنذر، وأظهروا أنهم أتوه داخلين في طاعته. فلما تمكنوا منه قتلوه، وركبوا خيلهم ، فلحقهم القوم فقتلوا أكثرهم ونجا لبيد، فأتى ملك غسان فأخبره، فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم، فكان ذلك يوم حليمة.

ولكن الرواة يجمعون على أن لبيدا كان حدثا لما قدم النعمان في وفد من بني عامر. وبين النعمان أبي قابوس وابن ماء السماء نحو نصف قرن، فكيف كان لبيد فارسا مغوارا على عهد المنذر بن ماء السماء، ثم كيف أصبح غلاما مقزع اللمة على عهد النعمان بن المنذر؟ ... أليس هذا من خلط الرواة وأضاليلهم؟ فلبيد بن ربيعة لم يعرف المنذر ولا الحارث الغساني، وإنما عرف النعمان وكان صبيا، والذي ذكره ابن قتيبة هو غير شاعرنا. (4-2) آثاره

أشعار وصل إلينا منها قدر يسير فجمعت في ديوان وطبعت «بفينا»، ثم ترجمت إلى الألمانية. وفي جملة هذه الأشعار مطولته، وهي المعلقة الرابعة. (4-3) ميزته

لا ينبغي أن نلتمس ميزة لبيد في المعلقة وحدها، فهي لا تغنينا عن سائر شعره لنتبين خصائصه، وندرك منزلته. فالمعلقة تبدي لنا حياة رجل بدوي كريم، كلف بالمجد والمعالي، ولكنها لا ترينا ذلك الشيخ الحكيم الذي يحسن وعظ نفسه وتعزيتها عند نزول المصائب. فلا بد لنا إذا من أن ندرس مع المعلقة شيئا آخر من شعره لنعرف من هو لبيد، وما هي ميزته الشعرية.

أما المعلقة: فلها شأن أدبي لا يستهان به، وإن تكن دون المعلقات الثلاث التي مرت بنا، وهي في متانة لفظها وصلابة أبياتها، تمثل الحياة البدوية الساذجة، وتمثل الشعر المضري أحسن تمثيل. وقد بدأها لبيد بوصف الديار الخالية وتعرضها للأمطار فأجاد الوصف وفاق وغيره.

ثم يتخلص إلى الغزل بسؤال الديار عن أهلها، فيوجز في وصف الفراق وذكر صاحبته نوار. ثم ينتقل - على عجل - إلى وصف ناقته التي تساعده بالأسفار على قطيعة من صرمت حباله، وهو في غزله - كما في سواه - صلب حزيم لا يلين أسره ولا ترق ألفاظه، ولا يبالي أن يقطع مودة من هجره.

ويأخذ بعد ذلك في وصف ناقته، وهو أروع أقسام المعلقة، ولكنه لا يصف أعضاءها كما فعل طرفة، بل يجعل همه في تصوير سرعتها فيتسع خياله لثلاثة تشبيهات رائعة روية، يورد اثنين منها في أسلوب قصصي فكه . فشبهها أولا بالسحابة الحمراء خفت بها ريح الجنوب فدفعتها أمامها فأسرعت في جريها وهي خالية من الماء. ثم شبهها بأتان وحشية نشيطة غار عليها قرينها من الفحول، فدفعتها أمامه يسوقها سوقا عنيفا حتى اعتزل بها في أعالي الآكام فسلخا ستة أشهر في الشتاء والربيع يرعيان الرطب صائمين عن الماء، فلما هبت رياح الصيف واشتد الحر ونبت الشوك فأصاب حوافرهما انطلقا مسرعين يطلبان الماء، وخيم عليهما غبار كأنه دخان نار موقدة، وكان العير يعدو وراء الأتان فما يدعها تتأخر عنه لئلا تفلت منه، وظلا في عدوهما حتى بلغا الماء فورداه. وهنا ينتقل إلى التشبيه الثالث سائلا نفسه: أفتلك الأتان تشبه ناقتي في سرعتها؟ أم تشبهها بقرة وحشية افترس السبع ولدها فأسرعت في السير تبحث عنه، وظلت في طلبه حتى أدركها الليل فأمطرتها السماء ديمة مدرارا «في ليلة كفر النجوم ظلامها»

صفحة غير معروفة