أدرك بشار بني أمية وبني العباس؛ فهو من مخضرمي شعراء الدولتين، ويقول صاحب الأغاني: «إنه شهر في العصرين، ومدح وهجا، وأخذ سني الجوائز.» ولكن لم يصل إلينا من شعره ما يدلنا على اتصاله بالخلفاء الأمويين، ولو اتصل بهم ومدحهم لذكر ذلك أبو الفرج وغيره من مؤرخي الأدب الأقدمين، ولا نخالهم يغفلون هذا الأمر وقد عنوا بتدوين أتفه الأخبار عنه.
وروي أن الوليد بن يزيد كان يطرب لشعر قاله بشار متغزلا، ويرويه ويبكي، وهو الذي أوله: «أيها الساقيان صبا شرابي.» ولكن بشارا لم يتصل بالوليد بل لبث في البصرة لا يبرحها.
ولعل أول رحلة تجشمها كانت إلى حران، فوفد إلى سليمان بن هشام بن عبد الملك فمدحه بقصيدة بائية، وكان سليمان بخيلا فلم يعطه شيئا، وقيل: بل أعطاه خمسة آلاف درهم؛ فاستقلها وردها عليه، وخرج من عنده ساخطا وهجاه، وربما كانت له وفادة على مروان بن محمد فلم يعطه، أو أن مروان وعده بشيء وأخلف وعده؛ فهجاه بأبيات لم يصل إلينا منها غير بيت واحد يقول فيه:
لمروان مواعد كاذبات
كما برق الحياء وما استهلا
20
وجملة القول أن بشارا لم يحظ عند خلفاء بني أمية، ولم يجشم نفسه دلج السرى إليهم، وإنما لبث في البصرة يمدح الولاة والقواد، ويشبب بالنساء، وله فيهن عدة صواحب أشهرهن عبدة أو عبيدة.
وكان إلى ذلك شديد الاتصال برجال العلم والدين، وكانت البصرة حافلة بهم في ذلك العهد، فصاحب واصل بن عطاء شيخ المعتزلة، وصالح بن عبد القدوس، وعمرو بن عبيد، وغيرهم من أصحاب الكلام، ولكن واصلا لم يلبث أن جافاه وهتف به
21
لما بلغه من إلحاده، وحرض الناس على قتله، فهجاه بقوله:
صفحة غير معروفة