رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منه، فلو كان طلب العلو غير مستحب لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله عما أخبره رسوله عنه. والله عز وجل أعلم.
وقد أجمع أهل النقل على طلبهم العلو ومدحه؛ إذ لو اقتصروا على سماعه بنزول لم يرحلوا، وقد وجدنا الأئمة المقتدى بهم في هذا الشأن سافروا الآفاق في سماعه، ولو اقتصروا على النزول لوجد كل واحد منهم ببلده من يخبره بذلك الحديث، قد خرج جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله من المدينة -وهو من أجلاء الصحابة- إلى مسلمة بن مخلد وهو بمصر- في حديث واحد بلغه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقتنع بالسماع عمن بلغه إياه مع وثوقه به وعدالته عنده؛ إذ لو لم يكن المبلغ ثقة عنده عدلا لم يخرج بقوله من المدينة إلى مصر.
واعلم أن رتبة المحدث رتبة رفيعة ليس فوقها رتبة؛ لأنه لا تقام سنة، ولا تمات بدعة، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، إلا وهو دليل على فضلهم؛ لأنهم الذين رووه ونقلوه ودونوه حتى بلغ إلى من عمل به، مع ما في ذلك من كون أسمائهم مقترنة باسم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال يحيى بن أكثم: قال لي الرشيد يوما: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين. قال: فتعرف أجل مني؟ قلت: لا. قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت: يا أمير المؤمنين هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي عهد المسلمين؟! قال: نعم، ويلك! هذا خير مني؛ لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبدا، ونحن نموت
صفحة ١٩