تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر
محقق
علي الشنوفي (أستاذ مُبرِّز)
الناشر
المعهد الثقافي الفرنسي - دمشق
مكان النشر
سوريا
تصانيف
السياسة الشرعية والقضاء
المتطبب ماضي زمانه وما همته إذا انفرد وخلا. فإن كان أفنى دهره في تصفح كتب الأطباء والطبيعيين وكانت همته إذا خلا النظر فيها فليحسن الظن به وإن كان إنما أفنى ماضي عمره في شيء غير ما ذكرت وإنما همته إذا خلا اللهو والشراب ونحو ذلك فليسيء الظن به.
ومن كان يدمن النظر في الكتب فينبغي أن ينظر في مقدار عقله وفطنته وهل جالس المتكلمين والمتناظرين وهل له قوة في البحث والنظر أم لا فإن كان قد أطال صحبتهم واكتسب منهم حظا من القوة على البحث والنظر فينبغي أن ينظر هل شاهد المرضى وقلبهم وهل كان ذلك منهم في المواضع المشهورة بكثرة الأطباء والمرضى أم لا فمن اجتمعت له هاتان الخلتان فهو فاضل عالم.
وأما من لم تكن حالته هذه الحالة لكنه صحب من حالته هذه صحبة طويلة وكان تعلمه في المواضع المشهورة بكثرة الأطباء والمرضى فليوثق أيضا به إذا كان له سمت ودين فأما إن كان متعاطيا هذه الصنعة أميا أو عاميا لا يفهم الكلام ولم يجالس أهله فلا ينبغي أن يوثق بمعرفته بل لا يبنغي أن يظن به أن عنده خيرا لأن هذه الصناعة لا يمكن الإنسان الواحد إذا لم يحتذ فيها أثر من تقدمه أن يلحق منها كبير شيء ولو أفنى جميع عمره فيها لأن مقدارها أطول من عمر الإنسان بكثير وليس هذه الصناعة فقط بل جل الصناعات كذلك.
وإنما أدرك من أدرك من هذه الصناعة إلى هذه الغاية ألوف من الرجال في ألوف من السنين فإذا اقتفى المقتفي أثرها صار كأنه قد أدركهم كلهم في زمان قصير وكان كمن عمر تلك السنين وعنى تلك العنايات وإن لم ينظر في كتبهم فكم عسى تراه أن يشاهد في عمره وكم مقدار ما تبلغ تجربته واستخراجه ولو كان أذكى الناس على أن من لم ينظر في الكتب ولم يفهم صور العلل في نفسه قبل مشاهدتها فهو وإن شاهدها مرات كثيرة أغفلها ومرت به صفحا ولم يعرفها البتنة هـ.
قلت: وما ذكر في قوله وليس هذه الصناعة فقط بل جل الصناعات قد رأيناه عيانا في صناعة القضاء يقوم بها قيام المعرفة والتحقيق من له فيها مزاولة وتكرار نوازل دون من لم يحصل له ذلك ولو حصل من حفظ الفقه أكثر بكثير من الآخر ولهذا تجد الشاهد (بصحة) الوثيقة العالم بفقهها يصلح للقضاء دون من دأبه الدرس والتحصيل ونصوصهم متظافرة على ذلك قال في" المدونة" قال مالك وليس علم القضاء
1 / 84