ثم كان من ألطاف الله الخفية، وعنايته التي طالما أدركنا بها ولله الحمد كل بغية وأمنية، أن وصل إلى حضرة الملك من قبل باشا الأتراك من جهة سواكن موجها صحبته بهدية، وهذا الرسول رجل عربي اللسان من أهل سواكن، اسمه الأمير عبدالوهاب، حسن الأخلاق، كامل الصفات، جميل العشرة، سني المحاضرة، كريم الطباع، له نسك أهل الصلاح، يحفظ القرآن غيبا حفظا جيدا، وعناية تامة، وله مع هذا مشاركة في كتب السير والآداب، وعلى الجملة فإنه من نعم الله تعالى علينا[90/ا] حيث روح عنا بأدبه، وانكشف عنا غيابات الكروب بسببه، وأجرى الله لنا على يديه منافع كثيرة، ونعما جليلة.
ولما رأينا حسن عشرته وخلوص مودته، وظهور صدقه وأمانته، أسررنا إليه ما نريده من الخروج من جهة مسوع، وأنا قد رفعنا ذلك إلى مولانا أمير المؤمنين -أيده الله تعالى- بالنصر المبين، ولا ندري ما يستحسن من ذلك، ونحن نخشى أن يخطر بباله -أيده الله تعالى- أن العود في هذه الطريق التي دخلنا منها متيسر، أو مع احتمال بعض مشقة لا تخلو عنها حال المسافر في الغالب، وإلا فالمعلوم بالضرورة أنه لو يرى ما قد رأيناه ويشاهد منها ما شاهدناه لم يرضها لنا على كل حال، ونحن نريد تمام هذا الرأي على يديك، وتفويض الأمر فيه إليك، فابذل فيه العناية، وأحسن في تدبيره السعاية:
صفحة ٣٩٢