للأسف، إن برنامجي أميجوس وبيال/بيان هما الاستثناء؛ فوفقا لما جاء عن مركز علم اللغة التطبيقي بواشنطن، كان هناك نحو 332 برنامجا ثنائي اللغة من هذا النوع في المدارس الابتدائية في الولايات المتحدة في عام 2008، وهذا لا يمثل إلا نحو 1 في المائة من كل البرامج المطبقة؛ ولكنها، تماما مثل برامج الانغماس المبكر، كانت تضع نموذجا لما يمكن فعله من أجل مساعدة الطلاب في اكتساب لغتين، واكتشاف ثقافة المجموعة اللغوية الأخرى، والتفاعل مع المتحدثين لهذه اللغة والمنتمين لهذه الثقافة، والفهم - على نحو أفضل - لمعنى مساعدة شخص آخر لا يفهم ما يقال، وتلقي مثل هذه المساعدة عند التعرض لموقف مشابه. يكون هذا النوع من البرامج بالنسبة إلى كل الذين عانوا من أسلوب الانغمار في التعليم (وقد كنت واحدا من هؤلاء الأطفال) واعدا للغاية؛ فهذه البرامج تحقق تصالحا بين التعليم والثنائية اللغوية، وتفيد كل المعنيين ، سواء أكانوا منتمين إلى الثقافة السائدة أم إلى ثقافة أقلية ما .
17
خاتمة
لقد مضى نحو عشرة أشهر على كتابتي مقدمة هذا الكتاب، وما زلت مندهشا من الأشخاص الثنائيي اللغة والثقافة. قابلت زوجة الخباز بالأمس عندما ذهبت إلى متجرها وتحدثنا بالفرنسية كالمعتاد؛ أردت إخبارها بأنني انتهيت للتو من تأليف كتاب وذكرت ثنائيتها اللغوية فيه، لكني قررت الانتظار حتى نشر الكتاب. مع ذلك، أخبرت ميكانيكي السيارات منذ بضعة أيام عن ذكره في الكتاب، ولم يسعه إلا أن ابتسم لي وذهب ليفحص سيارتي ليعرف ما بها من عطل. ورأيت هذا الصباح طفلا صغيرا من مركز الرعاية النهارية الموجود في الجهة المقابلة من الشارع، وفكرت في الأغاني التي ينشدونها بالفرنسية والإيطالية التي استمتعت بها كثيرا.
كل هذا جعلني أدرك، مرة أخرى، كم يكون من الطبيعي الحياة فعليا بلغتين أو أكثر، ومدى ضعف فهمنا حتى الآن للثنائية اللغوية والثقافية؛ فعلى الرغم من عرضي في هذا الكتاب لنحو 15 خرافة عن هذه الظاهرة، أنا أول من يعترف بوجود وقت طويل أمام بعض منها حتى يختفي. على الرغم من ذلك، تجدر بنا إعادة الإشارة إلى أن عدد الأشخاص الثنائيي اللغة الموجودين على وجه الأرض في عصرنا الحالي يفوق عدد الأشخاص الأحاديي اللغة، وأن هذا العدد سيزيد بالتأكيد في ظل عصر التواصل العالمي والسفر؛ ومن ثم ستكون الثنائية اللغوية والثنائية الثقافية ظاهرتين طبيعيتين، على الرغم من النظر إليهما في الدول الكبرى الأحادية اللغة على نحو أساسي على أنهما الاستثناء.
إن أكثر الخرافات التي أريد أن أشهد اختفاءها هي أكثر الخرافات التي تمس الأشخاص الثنائيي اللغة مباشرة، خاصة الخرافة التي تقول إن الأشخاص الثنائيي اللغة تكون لديهم معرفة متساوية وممتازة بلغاتهم (والتي يضيف إليها الكثيرون أنهم يتحدثون هذه اللغات دون لكنة)؛ والخرافة التي تشير إلى أن لدى الأشخاص الثنائيي اللغة شخصية مزدوجة أو منفصمة؛ والخرافة التي تشير إلى وجود آثار سلبية للثنائية اللغوية على نمو الأطفال. بالنسبة إلى الخرافة الأولى، أتذكر بوضوح ما قاله لي أحد الأساتذة المشهورين في جامعة السوربون منذ نحو عامين بعد عودتي إلى فرنسا، بعد قضائي عشر سنوات في مدارس إنجليزية: «أتعلم يا جروجون أنني تساءلت حقا عما إذا كنت ستتمكن بالفعل من إتقان اللغتين؟» بالطبع من الواضح أن لديه وجهة نظر تقليدية للغاية عن الثنائية اللغوية، وأنه لا يدرك أن لغات الشخص الثنائي اللغة تعيد تنظيم نفسها، وتصل عادة في النهاية إلى المستوى اللغوي المطلوب المناسب لحياة الفرد الجديدة.
أما فيما يتعلق بخرافة الشخصية المزدوجة أو المنفصمة، فأتذكر السيرة الذاتية لأوليفيه تود، التي يشير فيها إلى أن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر قد أخبره، وهو شاب صغير، بأن مشكلته الحقيقية تكمن في كونه ممزقا بين الانتماء لثقافة إنجلترا والانتماء لثقافة فرنسا؛ إذ لم تكن فكرة إمكانية أن يصبح المرء ثنائي الثقافة - بحيث تكون له جذور في كلتا الثقافتين، ويدافع عنهما على الرغم من احتمال سيادة إحداهما على الأخرى - مقبولة في ذلك الوقت. وعندما أنظر حولي في عصرنا الحالي وأجد كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة والثقافة، بعضهم في مناصب عامة بارزة إلى حد كبير، ما زالوا مترددين في الاعتراف علنا بلغتهم وثقافتهم الأخريين؛ أدرك أننا لم نتخلص بعد من هذه الخرافة، على الأقل في بعض أجزاء من العالم.
أخيرا، تذكرني خرافة أن هناك آثارا سلبية للثنائية اللغوية على نمو الأطفال بأينار هوجن؛ الاختصاصي الأشهر في مجال الثنائية اللغوية، الذي لم يعر والداه بالا «للأخطار الظاهرية» للثنائية اللغوية، وجعلاه ثنائي اللغة على أية حال. وقد أحسنا صنعا؛ فقد أصبح العالم أفضل بكثير بفضل أبحاثه العلمية في هذا المجال.
مع ذلك، على الرغم من هذه الخرافات، فإنني متفائل؛ إذ تحظى أعداد متزايدة من الأطفال والمراهقين الذين في سبيلهم إلى أن يصبحوا ثنائيي اللغة والثقافة، أو الذين قد يتعلم بعضهم القراءة والكتابة بلغتين، بالاهتمام الذي يحتاجون إليه لكونهم بالتحديد ثنائيي اللغة والثقافة. كما قلت من قبل، لا بد من أن يمروا بأوقات صعبة في بعض الأحيان، ويخيم على البعض شعور باليأس؛ ومن ثم من المهم أن يحصل الجميع على التشجيع والمساعدة. ومع تقدم الأطفال والمراهقين الثنائيي اللغة في العمر، لا بد من السماح لهم بالحديث عن معنى الثنائية اللغوية والثقافية بالنسبة إليهم، والتعبير عن بعض الصعوبات التي قد يتعرضون لها، كذلك لا بد من وجود بالغين مهتمين وعلى قدر من المعرفة من حولهم (الكثير يفعلون ذلك حاليا)، حتى يسهلوا انتقالهم من مرحلة إلى المرحلة التالية لها. أحلم باللحظة التي يشعر فيها هؤلاء الصغار - الذين سيصبحون كبارا فيما بعد - بالفخر من لغاتهم وثقافاتهم، ويتقبل الآخرون طبيعة كونهم ثنائيي اللغة والثقافة، ببساطة شديدة. •••
يمكن للقراء المهتمين بموضوع الثنائية اللغوية أن يتواصلوا مع المؤلف من خلال موقعه على الويب على العنوان التالي:
صفحة غير معروفة