توجد استراتيجية رابعة، وهي استراتيجية «وقت اللغة»، وتتمثل في استخدام إحدى اللغتين في أوقات معينة (في الصباح، على سبيل المثال)، واللغة الأخرى في أوقات أخرى (فيما بعد الظهيرة، مثلا). يمكن أن يحدث هذا التبديل في اليوم نفسه أو على مدار عدة أيام (ربما بتحدث إحدى اللغات في الجزء الأول من الأسبوع، واستخدام اللغة الأخرى في الجزء الثاني).
أما الاستراتيجية الخامسة، التي تعتبر إلى حد ما استراتيجية طبيعية على الرغم من أنه يمكن للوالدين تطبيقها عن وعي، فتتمثل في استخدام اللغتين بالتبادل، مع السماح لعوامل مثل الموضوع والشخص والموقف وما إلى ذلك بتحديد اللغة المستخدمة؛ وسأطلق على هذه الاستراتيجية اسم استراتيجية «التبادل الحر».
ما هي نسبة نجاح هذه الاستراتيجيات المختلفة؟ فيما يتعلق بالاستراتيجية الأولى، استراتيجية حديث كل من الوالدين بلغة واحدة، يجب أن نشير إلى اتباع كثير من الآباء لها لشعورهم براحة أكبر في الحديث بلغتهم السائدة، التي ربما تكون لغتهم الوحيدة، مع طفلهم. إنها دون شك أشهر استراتيجية، إلا أن مفهوم الناس عنها تحول بمرور الوقت إلى اعتقاد خاطئ:
خرافة: إذا أراد الوالدان تربية الأطفال ليصيروا ثنائيي اللغة ، فإنه يجب عليهم استخدام أسلوب حديث كل والد بلغة واحدة
بالتأكيد تكون هذه الاستراتيجية فعالة في الشهور الأولى من اكتساب اللغة، عندما يكون الأطفال في صحبة والديهم بالأساس؛ فهم يكتسبون مدخلات لغوية مزدوجة، ويبدءون بسرعة كبيرة في إنتاج الأصوات ثم المقاطع والكلمات باللغتين. ومع ذلك، فإن ثمة مشكلة تتمثل في أن إحدى اللغتين، وهي لغة الأقلية، ستقل مدخلاتها بالتدريج في النهاية إلا إذا اتخذ الوالدان إجراء واضحا. فبمجرد خروج الأطفال إلى العالم الخارجي (إلا إذا كانوا يعيشون في مجتمع أقلية تستخدم فيه لغة الأقلية)، سيزيد استماعهم واستخدامهم للغة الأخرى؛ لغة الأغلبية. وبالإضافة إلى مشكلة انخفاض مدخلات لغة الأقلية، فإن الأطفال سيريدون أن يصبحوا مثل الأطفال الآخرين وألا يكونوا مختلفين عنهم؛ لذا، بالتدريج تبدأ لغة الأغلبية في الهيمنة، على نحو يضايق الذي يستخدم لغة الأقلية من بين والدي الطفل. أجرت أنيك دي هاور الخبيرة في الثنائية اللغوية في مرحلة الطفولة دراسة ضخمة تضم ما يقرب من ألفي أسرة، واكتشفت وجود احتمال بنسبة واحد من كل أربعة أن يفشل الأطفال في الحديث بلغة الأقلية عند استخدام هذه الاستراتيجية.
2
إجمالا، أنا لا أؤيد هذه الاستراتيجية على نحو مطلق؛ نظرا لانخفاض المدخلات التي قد يحصل عليها الطفل في لغة الأقلية، وهذا يجعل حياة أحد الوالدين الذي يستخدم لغة الأقلية أكثر صعوبة، وقد يسبب التوتر داخل الأسرة.
لا توجد مشكلات كثيرة عند تطبيق استراتيجية «لغة داخل المنزل وأخرى خارجه»، وإنما توجد لها كثير من المميزات. فمن بين مشكلاتها حقيقة أن أحد الوالدين سيضطر على الأرجح إلى الموافقة على الحديث بلغته الثانية (أو الثالثة) إلى الطفل بحيث يتحدث كل من في المنزل لغة واحدة فقط. ومن مشكلاتها أيضا أنه بعد فترة من الوقت، ستوجد حاجة إلى تدعيم لغة المنزل - التي عادة ما تكون لغة الأقلية - بمدخلات من الأصدقاء وأفراد الأسرة الآخرين، بالإضافة إلى ممارسة أنشطة بهذه اللغة، مثل اللعب باستخدامها ومشاهدة برامج تليفزيونية تتحدث بها . إذا كان من الممكن الحصول على هذا الدعم، فإن اللغة الأخرى المستخدمة خارج المنزل، التي تكون عادة لغة الأغلبية، ستكتسب من تلقاء نفسها، في مركز الرعاية النهارية ثم في المدرسة، ومن خلال الأصدقاء الخارجيين، وهكذا، وسيصبح الأطفال ثنائيي اللغة؛ عندها يجب على الوالدين العمل على ترسيخ اللغتين، والتأكد من وجود حاجة مستمرة إلى كلتيهما طوال سنوات الطفولة والمراهقة (ارجع للفصل الرابع عشر). اكتشفت أنيك دي هاور في دراستها أنه إذا استخدم كلا الوالدين اللغة نفسها داخل المنزل، فإن نجاح انتقال تلك اللغة، بجانب اللغة الخارجية، يزيد بنسبة 20 في المائة.
ماذا عن استراتيجية «لغة واحدة في البداية»؟ ينجح هذا الأسلوب عندما تكون الأسرة محاطة بمجتمع منظم وكبير إلى حد ما يتحدث لغة الأقلية، حتى يحصل الطفل على كل المدخلات اللغوية التي يحتاجها. إن لم يتوافر هذا، فقد يصعب تجنب دخول لغة الأغلبية في مرحلة مبكرة. إليك إفادة لطفلة ثنائية اللغة في الروسية والإنجليزية تربت باستخدام هذه الاستراتيجية في الولايات المتحدة؛ فقد تعلمت الروسية أولا في المنزل ثم اكتسبت الإنجليزية عند التحاقها بالمدرسة. تقول:
لم أكن أتحدث كلمة بالإنجليزية عند بداية التحاقي بالمدرسة. والتحق معي في الحضانة ولد صغير، لكن والدتينا فصلتا بيننا حتى لا نتحدث معا بالروسية. أنا لا أستطيع بالتحديد تذكر تعلم الإنجليزية، فيبدو أني تعلمتها بسرعة كبيرة.
صفحة غير معروفة