19
أشار كثير من المختصين في اكتساب اللغة، ومن بينهم ليلي وونج فيلمور وباري ماكلوكلين، إلى نقطة تتعلق بحقيقة احتمال وجود اختلاف كبير بين المتعلمين؛ فقد ينتمون إلى مجموعات ثقافية ولغوية واجتماعية مختلفة، وقد يكونون من أعمار مختلفة، وقد تكون لديهم قدرات معرفية مختلفة (مثل المهارات الإدراكية ومهارات التعرف على الأنماط)، بالإضافة إلى مواقف مختلفة تجاه تجربة الأشياء الجديدة والمجازفة. قد يقدم البعض على المخاطرة بحماس، حتى إن ارتكبوا أخطاء، بينما قد يكون البعض الآخر أكثر تحفظا، وأحيانا تكون نتيجة الأسلوب الثاني أكثر نجاحا. سأذكر في هذا الشأن مثالا لأخوين: سيرل (الذي تحدثنا عنه من قبل)، وبيير، وكلاهما طفلان يتحدثان الإنجليزية، ويكتسبان اللغة الفرنسية في بيئتهما الطبيعية. كان سيرل في العاشرة من عمره وأخوه في الخامسة، وبينما كان سيرل منفتحا للغاية، وطفلا محبا لتجربة كل ما هو جديد، كان بيير أكثر تحفظا وهدوءا. اكتسب سيرل لغة فرنسية غير سليمة بسرعة كبيرة؛ فقد كان يرتكب أخطاء في النطق، وأخطاء في النوع، وأخطاء نحوية، لكنه لم يكن يهتم لذلك، واستمر ببساطة في التواصل مع أصدقائه. أما بيير فقد انتهج أسلوبا مختلفا؛ فلمدة ثلاثة أشهر لم ينطق كلمة واحدة بالفرنسية (حتى إنه تمكن من جعل مدرسته تتحدث معه بالإنجليزية)، لكنه عندما بدأ يتحدث بالفرنسية تلقائيا، كانت لغته تخلو من الأخطاء أكثر من لغة سيرل؛ فبدا الأمر كما لو أن بيير ترك لنفسه فرصة استيعاب اللغة، اتباعا للأسلوب الذي وصفته وونج فيلمور، ثم بمجرد استيعابه لكل شيء (النحو والنطق والمفردات)، بدأ في التحدث باللغة، حتى إنه كانت لديه الجرأة لتصحيح أخطاء أخيه الأكبر في بعض الأحيان؛ على سبيل المثال: قال سيرل
formage
ذات يوم بدلا من
fromage (جبن)، وانزعج سيرل عندما تدخل بيير وصحح له خطأه.
في نهاية هذا الفصل أود التأكيد على جانب غاية في الأهمية في تعلم اللغة الثانية، يؤكد عليه كثير من المختصين في هذا المجال، خاصة جيم كومينز؛ وهو أن التمتع بقدرات تواصلية في اللغة الثانية في بيئة طبيعية جزء من العملية التي يجب أن يمر بها الأطفال في المدرسة، نظرا لأنهم يحتاجون في معظم الأحيان إلى القراءة والكتابة بهذه اللغة، بالإضافة إلى التحدث بها. تتحقق الطلاقة في الحوار (التي يطلق عليها كومينز «مهارات التواصل الأساسية بين الأشخاص») بسرعة كبيرة إذا كانت الظروف مواتية، وسار كل شيء على ما يرام (على سبيل المثال: يتحدث كل من سيرل وبيير اللغة الفرنسية المنطوقة بطلاقة بعد قضاء عام في سويسرا). ينطبق هذا على كثير من الثنائيي اللغة الصغار السن، وقد يعطي انطباع اكتسابهم للغة جديدة. إلا أن إجادة اللغة الأكاديمية (التي يطلق عليها كومينز «الإجادة المعرفية للغة الأكاديمية»)، تحتاج للمزيد من الوقت والعمل؛
20
فقد كتب كومينز يقول إن الأطفال الأحاديي اللغة الذين اكتسبوا اللغة طبيعيا، يلتحقون بالمدرسة في سن الرابعة أو الخامسة وهم يتحدثون لغة المنزل بطلاقة، ثم يقضون السنوات الاثنتي عشرة التالية في توسيع كفاءتهم اللغوية (ليس فقط في القراءة والكتابة، وإنما أيضا في القدرة على استخدام اللغة، بالإضافة إلى اتباع الأسلوب النقدي في رؤية الأفكار وعرضها والتفكير فيها). يذكرنا كومينز بأن اللغة الأكاديمية لغة معقدة بسبب صعوبة المفاهيم التي يجب فهمها، والمفردات الفنية وغير الشائعة التي يجب الإلمام بها، والتركيبات النحوية المعقدة التي يجب استخدامها. يرى كومينز أن متعلمي اللغة الثانية يحتاجون إلى نحو خمس سنوات حتى يتمكنوا من اللحاق بأقرانهم من المتحدثين الأصليين للغة في المهارات اللغوية المتعلقة بالكفاءة اللغوية.
21
ويحتاجون أيضا، كما سنرى في الفصل السابع عشر، إلى دعم قوي من الأسرة والمعلمين حتى يتمكنوا من تحقيق هذا.
صفحة غير معروفة